سوريا تحت رحمة الفوضى: فصائل أحمد الشرع وأمراء الحرب الأجانب يبتلعون البلاد

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -خاص 

من كان يظن أن سوريا، بعد أكثر من عقد من الحرب، ستغرق مجددًا في مستنقع الفوضى، ولكن هذه المرة ليس بسبب "نظام ديكتاتوري"، بل بفعل الفصائل المسلحة التي يُفترض أنها جاءت "لتحرير البلاد". والحديث هنا ليس عن عدو غامض أو عابر، بل عن تشكيلات مسلحة تتبع لأحمد الشرع، الرجل الذي يدّعي إدارة شؤون "سوريا المحررة"، فيما الواقع يؤكد أنه يدير كيانًا هجينًا من الميليشيات، أشبه بتحالف زعماء مافيا أكثر من كونه سلطة سياسية مسؤولة.


انفلات أمني شامل... وسلطة غائبة

تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل الشرع انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق. عمليات اغتيال، سرقات مسلّحة، اعتقالات تعسفية، نزاعات داخلية بين الفصائل، واشتباكات متكررة في وضح النهار وسط الأسواق والأحياء السكنية. المواطن العادي بات يعيش في حالة دائمة من الرعب والقلق، لا من "عدو خارجي" هذه المرة، بل من عناصر الفصائل ذاتها التي تتقاسم النفوذ كما لو أنها تتقاسم غنائم حرب.

أينما توجهت في الشمال السوري، ترى الحواجز التي ترفع رايات مختلفة، وتخضع لأوامر "أمراء" مختلفين، يتبعون ولاءات متضاربة، أغلبها لا علاقة له بسوريا ولا بمصلحة شعبها.


تبعيات خطيرة للفصائل الأجنبية: أجندات عابرة للحدود

الواقع الأخطر يكمن في تغلغل الفصائل الأجنبية داخل بنية ما يسمى بـ"جيش الشرع"، والذي يضم مقاتلين من جنسيات متعددة، قادمين من آسيا الوسطى، القوقاز، وحتى من دول أوروبية عبر طرق تهريب معروفة. هؤلاء لا يحملون من سوريا سوى خريطة على هاتفهم الذكي، ويقاتلون في أرض لا يعرفون لغتها ولا أهلها، مدفوعين بأيديولوجيات عابرة للحدود وأوامر من ممولين خارج الحدود.

هؤلاء المقاتلون الأجانب يسيطرون على مفاصل حساسة في القرار العسكري، ويملكون نفوذًا ميدانيًا يفوق بكثير أي مسؤول مدني أو حتى محلي. والنتيجة؟ فرض أجندات متطرفة، قمع السكان المحليين، وتحويل القرى إلى معسكرات تدريب وتهريب.


اقتصاد الحرب... تجارة سلاح ومخدرات على المكشوف

الاقتصاد المحلي في هذه المناطق لم يعد يعتمد على الزراعة أو الصناعة، بل على شبكات معقدة من تهريب السلاح، المخدرات، والاتجار بالبشر. كل فصيل يدير معبرًا غير شرعي، وكل زعيم ميليشيا يتحكم في سوق محلي كما لو أنه إقطاعي في العصور الوسطى.

وفي الوقت الذي يُترك فيه المدنيون لمصيرهم، يُموَّل أمراء الحرب عبر صفقات مشبوهة تُبرم خلف الكواليس، بينما توزَّع الأموال على القادة والمقاتلين الأجانب، لا على إعادة الإعمار أو دعم السكان.


أحمد الشرع: زعيم أم واجهة؟

يبقى السؤال الأهم: من يحكم فعلًا؟ أحمد الشرع يبدو في كثير من الأحيان مجرد واجهة سياسية لتحالف عسكري غير منضبط، لا يسيطر بالكامل على الأرض، ولا يملك رؤية واضحة للمستقبل. ومن الواضح أن سلطته مجزأة، إن لم تكن وهمية تمامًا في بعض المناطق التي يُفترض أنها تحت "إدارته".

فصائله تتقاتل فيما بينها، وتخضع لتوجيهات دول إقليمية ودولية، وكل فصيل يسيّر شؤونه الخاصة، دون احترام لأي سلطة مركزية أو مدنية. أما الحديث عن "مجالس محلية" و"إدارات مدنية"، فهو مجرد ديكور هش لواقع تفرضه فوهات البنادق.


الخلاصة: ثورة اختطفت... وشعب بلا راعٍ

ما يحدث في سوريا اليوم ليس ثورة، ولا تحرير، ولا حتى حربًا على الاستبداد، بل هو مشهد كارثي لانهيار شامل تسببت فيه فصائل أصبحت نسخة جديدة من الأنظمة التي قامت ضدها. وبينما يتصارع أمراء الحرب على النفوذ، يدفع المدنيون الثمن: فقدان الأمن، انعدام الأمل، وانهيار شبه كامل لأي مقومات حياة طبيعية.

إن لم يتحرك السوريون، ومن خلفهم المجتمع الدولي، لوضع حد لهذا الانفلات، فإن ما تبقى من البلاد سيتحول إلى أرض لا يحكمها قانون، ولا يعلو فيها صوت إلا صوت السلاح.