 
			
			
		 
							نبض سوريا - دمشق
بينما لا تزال وعود تحسين المعيشة تتردد على ألسنة المسؤولين في الحكومة الانتقالية، تلقى السوريون ضربة جديدة تمثلت بقرار وزارة الطاقة القاضي بتحديد تعرفة جديدة لبيع الكيلوواط الساعي للكهرباء، وصفت بأنها الأعلى منذ سنوات. القرار الذي يفترض أن يواكب تحسين الخدمات، تحوّل إلى عبء جديد على المواطنين المنهكين أصلاً من أزمات المعيشة المتلاحقة.
فالوزارة أعلنت تقسيم التعرفة إلى أربع شرائح تبدأ من 600 ليرة للكيلوواط لأصحاب الدخل المحدود، لتصل إلى 1.800 ليرة للشركات والمعامل ذات الاستهلاك العالي. إلا أن ما أسمته الحكومة "دعماً بنسبة 60% من التكلفة" لم يُقنع الشارع السوري الذي يرى أن المشكلة ليست في الأسعار فحسب، بل في انعدام العدالة وغياب التحسّن في ساعات الوصل الكهربائي التي تبقى متقطعة ومحدودة حتى في المدن الكبرى.
تصريح خبير اقتصادي: القرار "ليس في الاتجاه الصحيح"
وعن هذا القرار، قال الخبير الاقتصادي، عمار يوسف، إنّ "هذه الخطوة ليست في الاتجاه الصحيح، بل تزيد الفقير فقراً، والجائع جوعاً"، بسبب التكاليف الباهظة التي ستتسبب بها. وأوضح يوسف أنّ زيادة تسعيرة الكهرباء هي زيادة أعباء على المواطن الذي سيفقد من مرتبه الشهري نحو 20 إلى 30% كمدفوعات لفواتير الكهرباء بالتعرفة الجديدة.
أما عن تأثيرها على قطاع الاقتصاد، فلفت يوسف إلى أنّ "رفع أسعار الكهرباء المرتبطة بكل عمليات التصنيع والإنتاج سيؤدي إلى زيادة التكلفة على الصناعي، وبالتالي ستزيد التكلفة على التاجر، وسينتج عن ذلك ارتفاع كبير في أسعار البضائع في الأسواق". واعتبر يوسف أنّ الارتفاع المُقرّر في أسعار الكهرباء "عالٍ جداً".
الهدف: "تأمين موارد للحكومة"
كما أشار الخبير الاقتصادي إلى أنّ الهدف من هذه الخطوة هو "تأمين موارد للحكومة لتحقيق وفر للخزينة"، كما كان يحدث في عهد النظام السابق عبر رفع أسعار الخدمات والمحروقات وعموم ما تقدّمه الحكومات للشعب.
وأكّد يوسف أنّه "في هذا الوقت الحرج من عمر سوريا لا يجب أن تُرفع تسعيرة الكهرباء، بل على العكس يجب أن يكون قطاع الكهرباء مدعوماً من قبل الدولة بما لا يقل عن نسبة 70% إلى 80%، باعتبار أن السواد الأعظم من السوريين خرجوا لتوّهم من حرب ويعانون من الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية".
تبرير رسمي وواقع مرير
من جانبها، بررت وزارة الطاقة في الحكومة الانتقالية رفع التعرفة الكهربائية عشرات أضعاف ما كانت عليه، موضحة أن الهدف منه ضمان استمرارية قطاع الكهرباء ومنع تراجع الخدمة أو انهيار المنظومة العامة. وذكرت الوزارة أن ترك واقع الكهرباء على ما هو عليه كان سيؤدي إلى تفاقم الأعطال واتساع ساعات الانقطاع، وتفادياً لذلك حسب قولها سيتم تخصيص العوائد المحققة من تعديل التعرفة كاملةً لصالح صيانة وتحديث الشبكات والمحطات وتعزيز قدرات التوليد والتغذية الكهربائية.
صوت الشارع: أسئلة بلا إجابات
في الشارع، تتردد الأسئلة أكثر من الإجابات: كيف يمكن لأسر فقدت دخلها الشهري بعد سقوط النظام أن تتحمّل فاتورة كهرباء بهذا الحجم؟ وما جدوى رفع الأسعار في وقت لا تزال الكهرباء تنقطع لساعات طويلة كل يوم؟
مراد الحسين، موظف في إحدى المؤسسات الحكومية، قال لوكالة "نبض سوريا": "عشنا على الآمال ويبدو أننا توهمنا كثيراً، فوعود تحسين جودة الطاقة وزيادة عدد ساعات وصل الكهرباء لم تنفذ، بل إن الوعود انقلبت علينا. الفواتير ترتفع وعلى ما يبدو أننا سنعيش على ضوء الشموع والوعود".
من جانبها، قالت لميا، أم لثلاثة أطفال: "إن هذا القرار يزيد من معاناة السوريين ولا يساعدهم، خاصة وأن هناك فئة كبيرة تم استبعادها من العمل إضافة إلى توقف رواتبها، بالتالي كيف سيكون بمقدور هؤلاء إكمال حياتهم وتحمل الأعباء الإضافية".
نهاية الطريق؟
مراقبون رأوا أن القرار أتى ليضيف عبئاً جديداً على الاقتصاد المنزلي المتآكل، في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وغياب أي مؤشرات فعلية على تحسن الوضع المعيشي أو القدرة الشرائية. ومع بدء تطبيق التسعيرة الجديدة في الأول من تشرين الثاني، يخشى السوريون أن تكون فواتير الكهرباء القادمة بمثابة فاتورة أمل أخيرة تُطفئ ما تبقى لديهم من قدرة على الاحتمال.
فبين الوعود الرسمية بتأمين الطاقة وتحسين المعيشة، وبين الواقع الذي يزداد ظلمة كل يوم، يقف المواطن السوري أمام معادلة لا تحتاج إلى خبراء اقتصاد لفهمها: كل قرار جديد لا يحمل في طياته سوى مزيد من الأعباء على شعب يعيش منذ سنوات على الهامش والانتظار.