رفع اسم الجولاني عن قوائم الإرهاب... لحظة سقوط أخلاقي في ميزان السياسة الدولية

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  خاص

لم يكن التصويت الذي جرى في مجلس الأمن أمس مجرد تفصيل سياسي عابر، بل محطة مفصلية تكشف إلى أي مدى باتت الاعتبارات السياسية تتقدم على القيم الإنسانية والقانونية.


فبرفع اسم زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني من قوائم الإرهاب، تكون المنظومة الدولية قد وجهت رسائل متعددة الاتجاهات، أهمها أن الواقعية السياسية باتت تبرّر تبييض أكثر الصفحات سوادا، فمنذ ظهوره الأول كأحد قادة "جبهة النصرة" المبايعة لتنظيم القاعدة، شكل الجولاني عنوانا للفكر المتشدد وللجرائم الموثّقة بحق المدنيين في سوريا.


لكن ومنذ التحرير المزعوم  الذي تكشفت حقيقته تباعا وتكشفت معه حقيقة ما تم الترويج له عن معركة قام بها هؤلاء المتطرفون والتي انتهت بسقوط النظام وبينت أن قرارا سياسيا دوليا اتخذ في الكواليس...حاول الجولاني تقديم نفسه للعالم بصورةٍ مختلفة: بدلة مدنية بدل الزي العسكري، تصريحات ناعمة بدل التهديدات الجهادية، وانفتاح على وسائل الإعلام الغربية في محاولة لتغيير صورته؛ وهنا تكمن خطورة التحول: حين يصبح التجميل السياسي غطاءً لغسل سجل دموي.


قرار مجلس الأمن يكشف بوضوح أن العدالة لم تعد مبدأً يحتكم إليه، بل أداة تُستخدم وفق المصلحة، فالدول التي صوّتت لصالح رفع الجولاني من القوائم، هي ذاتها التي طالما تحدّثت عن "حماية المدنيين" و"محاسبة مرتكبي المجازر" خلال ١٣ عاما من حكم الأسد. 


ولكن وبعد ١٠ أشهر من حكم الجولاني والتي ارتكبت فيها مجازر بحق العلويين في الساحل والدروز في السويداء كيف يمكن تبرير تجاهل المجتمع الدولي وهذه الدول نفسها التي تباكت على معاناة المدنيين للجرائم المرتكبة ضد أضف إلى ذلك ملفات الخطف والتعذيب التي وثّقتها منظمات دولية مستقلة؟


هذا التناقض الفجّ يطرح سؤالاً أعمق:

هل لا تزال القوانين الدولية أداة لتحقيق العدالة، أم تحولت إلى وسيلة لتثبيت النفوذ وإعادة ترتيب التحالفات في منطقةٍ تمزقها الصراعات؟


رفع اسم الجولاني لن يبقى قرارا رمزيا، بل ستكون له انعكاسات ميدانية وسياسية خطيرة.


ففي الشمال السوري، قد يمنح القرار نوعا من "الشرعية غير المعلنة" لسلطة الجولاني ما يعزز قبضتها الأمنية ويفتح الباب أمام قمع أوسع محتمل ضد المكون الكردي. 


كما أن الخطوة قد تشكل سابقة خطيرة، تدفع أمراء حرب آخرين لتقديم أنفسهم كـ"قوى أمر واقع قابلة للاعتراف"، في ظلّ غياب أي مساءلة أو محاسبة.


إن رفع اسم الجولاني من قوائم الإرهاب ليس مجرد حدثٍ إداري في أروقة الأمم المتحدة، بل تجسيد لسقوط أخلاقي مدو.


لقد قتل الآلاف وشرّد الملايين تحت رايات حملت اسم هذا الرجل وفصيله، واليوم تمحى آثار تلك الجرائم بجلسة تصويت، وعلى ما يبدو أن العالم قرر أن يتعامل مع الجولاني كـ"فاعل سياسي" لا كـ"قاتل"، ومع المأساة السورية كملف دبلوماسي لا كقضية عدالة.


وهكذا، يضاف إلى جراح السوريين جرح جديد: جرح خيانة العدالة.