نبض سوريا -متابعة
لم تأتِ زيارة وفد السلطة في دمشق إلى موسكو في توقيت اعتيادي، ولا يمكن فصلها عن التطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة السورية خلال الأيام الماضية، ولا سيما تلك التي أعقبت زيارة الوفد التركي إلى دمشق.
فالعجلة التي أحاطت بالزيارة توحي بأنها جاءت استجابة مباشرة لحالة قلق إقليمي متصاعدة، أكثر من كونها خطوة دبلوماسية مخططة سلفًا.
وبحسب مراقبون، فقد فشلت زيارة الوفد التركي في إقناع دمشق بالتراجع عن مسار التفاهم أو الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية الأمر الذي دفع أنقرة إلى استشعار خطر تشكّل معادلة جديدة لا تصب في مصلحتها، خصوصًا مع إدراكها أن قرار هذا الملف لا يُحسم محليًا فقط، بل يرتبط بشكل وثيق بالموقف الأميركي.
محاولات الضغط لم تتوقف عند المسار السياسي، إذ شهدت جبهة حلب تحريكا محدودا خلال الساعات الماضية في محاولة لفرض وقائع ميدانية ضاغطة، إلا أن هذه الخطوة بدت عاجزة عن إحداث اختراق حقيقي، ما عزز القناعة لدى أنقرة بأن أدواتها التقليدية لم تعد كافية لتعديل الاتجاه العام.
في هذا السياق، تبرز قراءة مفادها أن أنقرة وصلت إلى خلاصة أساسية: القدرة على تغيير موقف دمشق في ملف “قسد” باتت محدودة، في ظل ثقل القرار الأميركي، وهو ما دفعها إلى البحث عن مسار بديل، يتمثل في إعادة الزج بالدور الروسي بقوة في الملف السوري، في محاولة لخلق توازن جديد في مواجهة الولايات المتحدة من جهة، والضغوط الإسرائيلية من جهة أخرى.
وعليه يمكن فهم الطلب التركي بإرسال وفد سوري إلى موسكو على وجه السرعة، في خطوة تهدف إلى تفعيل الدور الروسي مجددًا، ليس فقط كضامن سياسي، بل كلاعب قادر على التأثير في خطوط الاشتباك الإقليمي داخل سوريا.
هذا المسار يتقاطع مع ما كشفته قناة i24 News العبرية التي نقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن احتمال إنشاء تركيا قاعدة عسكرية ولا سيما جوية داخل الأراضي السورية يعد تهديدا محتملا لإسرائيل، لما قد يسببه من تقييد لحرية الحركة الإسرائيلية في الأجواء السورية.
وأكد المسؤول أن إسرائيل تعارض هذا السيناريو بشكل قاطع، مشيرًا إلى أن استهداف بعض القواعد في سوريا خلال الفترة الماضية جاء في إطار “إيصال رسالة واضحة” بعدم السماح بأي مساس بحرية الحركة الجوية.
وفي السياق ذاته، نقلت القناة عن مصدر غربي أن تركيا تحاول خلال الأسابيع الأخيرة نشر رادارات داخل الأراضي السورية، وهو ما يُنظر إليه إسرائيليا كخطوة قد تُغيّر معادلات السيطرة الجوية، وتستدعي ردودًا استباقية.
ضمن هذا المشهد المعقد، تبدو موسكو وكأنها تعود إلى واجهة الملف السوري من بوابة التناقضات الإقليمية، حيث شكّلت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الوفد السوري مؤشرات واضحة على هذا التوجه، من خلال التأكيد على رفض تقسيم سوريا، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، والتشديد على ما وصفه بـللقرار السوري المستقل
اذاً زيارة موسكو محاولة لإعادة ترتيب التوازنات داخل ساحة سورية التي باتت مفتوحة على تناحر المصالح، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت موقعه قبل أن تُفرض عليه معادلات جديدة وبين الضغط التركي والثقل الأميركي والهواجس الإسرائيلية تحاول روسيا الإمساك بخيط التوازن، فيما تبقى سوريا نفسها ساحة الاشتباك لا مركز القرار