نبض سوريا - مقال
يتقلب الأشخاص في آرائهم ومعتقداتهم ومواقفهم، ربما لركوب الموجة أو مُجاراة فِئةٍ ما، أو ربما بدافع الخوف. قد تجد مبرراتٍ لهذا التقلب وتعذر أصحابه، لكن أن يصير التلون والتغير مبدأً ثابتًا يُمارَس بلا حياء، فهذا هو العجيب حقًا!
في سوريا، يبدو أن السِّياسة العامة ليست سوى مسرحٍ لـ"تبديل الجلود" وليس مجرد "تشويه" كما وصفها البعض. وبالطبع، لكل قاعدةٍ شواذ، لكن الظاهرة العامة تكشف أن من تسلقوا سُلم السلطة غيّروا اتجاهاتهم مرارًا: من دعم "القاعدة" إلى التحالف مع "النصرة"، وصولًا إلى الاصطفاف خلف "جبهة تحرير الشام". وما إن تسنّى لهم السيطرة على مقاليد الأمور دون رغبة الشعب، حتى انخرطوا في أكبر عمليات التلون السياسي، متكيفين مع كل بيئة وظرفٍ بتفاصيل مُحكمة، لدرجة أن المراقبَ من الخارج يعجز عن فهم حقيقة هوياتهم أو حدود براعتهم في الاختباء. بل وصل الأمر إلى تغيير نمط لباسهم رغم أن سوريا عُرفت تاريخيًا بتقبلها تنوع معتقدات وأزياء شعبها، مما أثار استياءً حتى بين مؤيديهم المُحدثين، كل ذلك لتلميع صورةٍ باهتة، يبدو أن محاولات ترميمها لن تتوقف.
هذا التبرج السِّياسي وتبديل الأقنعة لن يمحوَ من ذاكرة العقلاء حقيقة أن أيادي هؤلاء الذئاب ملوثة بدماء الأبرياء. فالتاريخ، إن كُتب بحيادية، سيسجل صفحاتٍ سوداء تفضح جرائمهم في كل منعطف. ربما يكون كل هذا التودد المُفاجئ لسوريا محاولةً لاستكشاف كيف لقاتلٍ أن يلبس عباءة الحاكم "العادل" الذي يُعيد بناء الدولة! لكن الحقيقة المُرّة هي أن سوريا، إن نجت من براثن مجرم، فهي اليوم أسيرة أيادي إرهابيين دوليين، يرسمون لها مصيرًا يشبه ذئبًا مفترسًا ولو اختبأ تحت جلد حملٍ وديع!