شبكة BBC تدق ناقوس الخطر من "احتواء الدولة في عباءة الدين"... وسلطات الشرع المطلقة بلا كوابح دستورية

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  متابعة 

في تقرير نشرته مؤخرًا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، تبرز مخاوف عميقة مما وصفته بمحاولة إلباس الدولة السورية الجديدة عباءة دينية موحّدة، تقفز على فكرة الفصل بين الدين والسياسة، وتثير جدلاً واسعًا حتى في أوساط المثقفين الذين كانوا من أوائل المؤيدين لانهيار النظام السابق. إذ إن هذه "الحرية الوليدة"، على حد تعبير التقرير، تبدو هشّةً إلى حدّ قابل للكسر عند أول منعطف أيديولوجي، وخصوصًا في مجالات الثقافة والفنون التي بدأت تلوح فوقها سحابة رقابة غير معلنة.


وتضع BBC علامات استفهام كبيرة حول الغياب شبه التام لأي هيكل دستوري يضبط عمل السلطة الجديدة أو يقيّد صلاحياتها المتضخّمة، متسائلة: كيف يمكن لدولة تتحدث عن ولادة ديمقراطية، ألا تضمن في إعلانها الدستوري ولو سطرًا واحدًا عن الفصل بين السلطات؟ بل كيف تسعى إلى "الانفتاح على العالم" بينما تغلق الباب على نصف مجتمعها – النساء – بعدم تمثيلهن فعليًا في الحكومة؟


لقد شهدنا على  "احتفاء دولي ساذج" بتعيين امرأة واحدة في الحكومة الانتقالية لا يعدو كونه تلميعًا شكليًا لا يرقى لمستوى ما كان موجودًا في عهد النظام السابق من تمثيل نسائي في البرلمان، رغم كل تحفظات المرحلة الماضية.


وفي حديثه للـBBC، عبّر المحامي عبد الحي السيد عن قلقه من انزلاق غير معلن نحو تطبيق الشريعة، رغم أن النصوص القانونية لا تزال مدنية حتى الآن. غير أن ما يقلقه أكثر، كما يقول، هو "التوجّه الثقافي المتصاعد نحو تأطير المجتمع ضمن منظومة قيم دينية قد تُستخدم لتقليص حرية المرأة والتضييق على القاضيات، اللواتي يشكّلن قرابة 40% من الجسم القضائي، في سابقة فريدة في المنطقة."


ويضيف السيد أن خطاب "العودة إلى القيم الأصيلة" قد يبدو برّاقًا في الظاهر، لكنه ينطوي على خطر داهم يهدد أسس المواطنة المتساوية، ويُفرغ فكرة الديمقراطية من محتواها لصالح سردية دينية شمولية.


ولم تتوانَ BBC في قرع أجراس الإنذار، مشيرة إلى أن سوريا – رغم مظاهر الفرح السطحي بسقوط الأسد – لا تزال "تعيش على وقت مستعار". فالانهيار الاقتصادي يتسارع، والفقر يتفاقم، في حين تقف العقوبات الغربية صامدة كجدارٍ باردٍ، لا نتيجة لمجرد إرث النظام السابق، بل بسبب قلق دولي متزايد من "تديين الدولة" تحت غطاء ثوري.


أما المخرج والناشط السياسي علي الأتاسي، فقد أشار في تصريحاته للـBBC إلى أن الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي وصل إلى سدّة الحكم عبر مسار عسكري لا انتخابي، لم يُظهر حتى الآن أي نية فعلية للانفتاح على القوى السياسية أو إدماج الأصوات المعارضة. يقول الأتاسي: "لا توجد انتخابات، بل مجرد ترشيحات محسومة... وهذا خطير جداً."


ويضيف بصراحة مقلقة: "ربما نحن أمام ولادة ديكتاتورية جديدة بلباس مختلف.  أما عن مستقبل الديمقراطية في سوريا؟ فالأتاسي يجيب، وبصوت يشوبه الحذر: "علينا أن ننتظر... لكنني لست متفائلاً."