نبض سوريا - متابعة
نشرت فصائل مسلحة مختلفة عشرات الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، وجرى تداولها بين مئات الآلاف من السوريين، تدعو إلى "التعبئة العامة" أو "النفير" للمساعدة في سحق بعض المدنيين الذي ضاقوا ذرعا بممارسة فصائل الجولاني لكن الرواية الرسمية زعمت أنه تمرد.
مئات الشاحنات الصغيرة المحملة بالمقاتلين، إلى جانب الدبابات والأسلحة الثقيلة، تدفقت على الطرق السريعة الرئيسية باتجاه المناطق الساحلية، معقل الطائفة العلوية.
كانوا يسعون للانتقام من الموالين للرئيس المخلوع، ومعظمهم من ضباطه العلويين السابقين. ويُزعم أن بعضهم نفذ سلسلة من الهجمات المباغتة ضد حكومة الشرع.
خلال الليل وساعات الصباح الباكر من يوم 7 مارس، هاجم مقاتلون موالون للحكومة حي القصور في مدينة بانياس، أحد أول المخارج الرئيسية على الطريق السريع، وأطلقوا النار على المباني السكنية، وقتلوا عائلات بأكملها داخل منازلهم.
وشهدت بلدات وقرى أخرى شمالا على طول الساحل هجمات مماثلة، مثل المختارية، الشير، الشلفاطية، وبرابشبو، التي تتركز فيها الطائفة العلوية.
قال حسن حرفوش، وهو علوي من حي القصور ويعيش حاليا في العراق، واصفا مكالمة هاتفية مع عائلته قبل مقتل والديه وشقيقه وشقيقته وطفليها في المدينة بعد ظهر يوم الجمعة 7 مارس: "سمعت صراخ الأطفال، وإطلاق النار، وأبي يحاول تهدئة الأطفال".
كان والدي يقول لي: "صلّ من أجلنا. لقد وصلوا".
قال حرفوش إنه غادر سوريا قبل عدة أشهر بعد الإطاحة بالأسد، بناء على إلحاح والده، الذي كان يخشى موجة انتقام ضد العلويين. وأضاف: “قال لي إنه يجب أن يبقى واحد منا على الأقل على قيد الحياة".
في غضون نحو ستة أيام، كان مئات المدنيين العلويين قد لقوا حتفهم، وفقا لتقارير رويترز وعدة منظمات مراقبة. بعد ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة بالأسد في ديسمبر، التي أنهت حكمه .
جمعت رويترز تفاصيل الأحداث التي أدت إلى هذا الهياج الدموي من خلال مقابلات مع أكثر من 25 ناجيا وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى لقطات التقطتها الطائرات المسيّرة، وعشرات الفيديوهات والرسائل المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي..
الحكومة "جماعة هيئة تحرير الشام " لم ترد على طلب للتعليق على هذا التقرير.
والشرع في مقابلة سابقة مع رويترز هذا أقر بأنه “دخلت أطراف عديدة إلى الساحل السوري وحدثت العديد من الانتهاكات” كرد فعل.
وأضاف أن الأمر تحول إلى فرصة للانتقام بسبب المظالم المتراكمة على مدى سنوات.
وقالت منظمات مراقبة، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان وهي منظمة مستقلة مقرها المملكة المتحدة – إن أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم في أعمال العنف، قُتل أكثر من نصفهم على يد فصائل موالية للسلطات الجديدة،.
وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن من بين القتلى 595 مدنيا وضباط سلموا أسلحتهم غالبيتهم العظمى من الطائفة العلوية.
تمكنت رويترز من إحصاء أكثر من 120 جثة في ستة مواقع على الأقل في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، عبر تحديد المواقع الجغرافية لمقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل السكان وأفراد العائلات والقتلة أنفسهم.
تسعى الحكومة الجديدة إلى دمج عشرات الفصائل المتمردة،، كما اضطرت إلى الاستعانة بميليشيات أخرى - من بينها مقاتلون أجانب - لسد الفراغ الأمني الذي نشأ بعد تفكيك الجيش العربي السوري.
بحسب عدة شهود، فإن عمليات القتل الجماعي نُفذت على يد مسلحين من فصائل مختلفة موالية للحكومة الجديدة،
أظهر مقطع فيديو نُشر على فيسبوك، وتم التحقق منه من قبل رويترز، رجالا يرتدون زيا رسميا وشارات على الأذرع مشابهة لتلك التي يرتديها أفراد الأمن العام وهم يشاركون في أعمال العنف في مدينة جبلة الساحلية.
لم يرد الأمن العام السوري على طلب التعليق.
أحد مقاتلي الأمن العام أشار إلى أن دعوات التعبئة العامة على وسائل التواصل الاجتماعي جذبت مقاتلين غير منضبطين، قاموا بقتل أعداد كبيرة من المدنيين. وكل من كان يملك سلاحا انضم إليهم.
" اضربوا بيد من حديد "
تصاعد التوتر في 6 مارس، عندما أعلنت الحكومة أن مقاتلين بقيادة ضباط علويين سابقين في جيش الأسد شنوا واحدة من أعنف هجماتهم، مما أسفر عن مقتل 13 عنصرا من القوات الأمنية التابعة للحكومة في محافظة اللاذقية، التي تُعد مركزا رئيسيا للطائفة العلوية. لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم.
تمكنت رويترز من مراجعة عدة رسائل تدعو السوريين إلى التوجه نحو الساحل للمشاركة في التعبئة العامة.
على سبيل المثال، نشرت إحدى صفحات فيسبوك التي تضم أكثر من 400 ألف متابع، والتي تقول إنها تابعة لجهاز الأمن العام، دعوات للقبائل العربية في سوريا للتعبئة لدعم المقاتلين الحكوميين ضد المتمردين العلويين. كما نشرت مقاطع فيديو لمجموعات مسلحة ترسل مقاتلين ومركبات إلى الساحل للمشاركة في القتال. لم تتمكن رويترز من تحديد المسؤول عن تشغيل الصفحة على الفور.
ظهرت دعوات مماثلة لحمل السلاح في ثلاث مجموعات على واتساب على الأقل، تضم كل منها مئات الأشخاص في ثلاث مناطق مختلفة من شمال سوريا. كانت الرسائل محلية ومحددة، حيث حددت نقاط تجمع في كل منطقة للانطلاق نحو الساحل.
في اليوم نفسه، قال سكان في مدينتي دمشق وحلب لـ رويترز إنهم سمعوا بعض المساجد السنية تبث عبر مكبرات الصوت دعوات للجهاد.
في دمشق، ألقى إمام مسجد، محسن غصن، خطبة عبر فيسبوك، شاهدتها رويترز، حيث ندد بالهجوم المزعوم على قوات الأمن من قبل الموالين العلويين للأسد، ودعا السنة إلى حمل السلاح ضد أعدائهم الطائفيين.
لم يرد الإمام محسن غصن على طلب التعليق عبر صفحته على فيسبوك. كما لم ترد وزارة الأوقاف السورية، المسؤولة عن جميع المساجد، على طلبات التعليق.
لم تتمكن رويترز من تحديد عدد المقاتلين الذين تمت تعبئتهم للقضية.
لكن لقطات طائرات مسيّرة للطريق السريع شرق مدينة اللاذقية الساحلية، بالقرب من قرية المختارية، أظهرت مئات المركبات – بما في ذلك شاحنات تحمل مقاتلين في الخلف، وبعض المركبات العسكرية، ودبابتين على الأقل – كانت تتدفق إلى المنطقة في صباح يوم 7 مارس.
قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لـ رويترز إن تحقيقاته أشارت إلى أن التعبئة لدعم القوات الأمنية شملت مجموعات مسلحة ومدنيين، وتمت بسرعة كبيرة.
وأضاف متحدث باسم المكتب: "لم يتم التعرف على العديد من المهاجمين لأنهم كانوا ملثمين، لذلك من الصعب جدًا تحديد من فعل ماذا. كانت الأوضاع شديدة الفوضى".
وتابع: "ليس لدينا صورة واضحة عن هيكلية سلسلة القيادة داخل القوات الأمنية للحكومة المؤقتة".
المقاتلون يقتحمون المنازل واحدا تلو الآخر
شهد حي القصور، حيث قُتلت عائلة حرفوش، بعضا من أسوأ المجازر، وفقا لستة شهود وأقارب للضحايا.
قال أحد السكان لـ رويترز إن المقاتلين بدأوا بإطلاق ذخيرة ثقيلة، وقذائف مدفعية، وأسلحة مضادة للطائرات على المباني السكنية. وبعد وقت قصير، بدأوا في اقتحام المنازل وقتل المدنيين، حسب قوله.
وأضاف أن حوالي 15 مسلحا اقتحموا منزله على ثلاث دفعات، من بينهم أفراد من جهاز الأمن العام تعرف عليهم من خلال زيهم الرسمي، بالإضافة إلى مقاتلين أفغان، تعرف على لغتهم.
وقال إن هويته كمسيحي أنقذته هو وعائلته، إذ أن أحد ضباط الأمن العام أقنع المقاتلين بعدم قتلهم. لكن جيرانه لم يكونوا محظوظين.
قال شخصان آخران من الحي إن عدة أفراد من عائلاتهم قُتلوا. فيما ذكرت امرأة أخرى أنها أحصت نحو 50 قتيلًا ممن تعرفهم، بينهم والداها، وجيرانهم، وطفل الجيران البالغ من العمر ثلاث سنوات.
وقال شاهد رابع إن المقاتلين قاموا بسحب الناس من منازلهم وقتلهم، بمن فيهم ابن أخيه البالغ من العمر 28 عاما.
بحسب الناجين، قام المقاتلون أيضًا بسرقة السيارات، والهواتف، والأموال من السكان، وأجبروا النساء على تسليم مجوهراتهن تحت تهديد السلاح، ثم أحرقوا المنازل والمتاجر والمطاعم.
لم تتمكن رويترز من تأكيد هذه الروايات بشكل مستقل.
في نفس اليوم، 7 مارس، وخلال الأيام التالية، هاجم المسلحون عدة بلدات وقرى أخرى شمالا على طول الساحل، وكذلك المناطق الجبلية المحيطة بمدينة اللاذقية.
تمكنت رويترز من التحقق من مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث في تلك القرى، والتي تم نشرها على الإنترنت خلال الأيام التي تلت عمليات القتل.
في 7 مارس، أظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت جثث ما لا يقل عن 27 رجلاً، العديد منهم مسنون، ملقاة على جانب الطريق في قرية المختارية.
وفي اليوم نفسه، في الشلفاطية، التي تبعد 20 دقيقة بالسيارة، أظهر فيديو آخر نُشر على فيسبوك، وتم التحقق منه من قبل رويترز، جثث ما لا يقل عن 10 أشخاص يرتدون ملابس مدنية، ممددة على الأرض أمام صيدلية وعلى طول الطريق. العديد من الجثث كانت لا تزال تنزف.