نبض سوريا - متابعة
في مسرح السياسة، تُصاغ التفاصيل بذكاء يُنافس إخراج الأفلام السينمائية، حتى لو كان المشهد داخل صالة رياضية! فما بين تسديد الكرات وتدوير الأزمات، تتحوَّل لعبة كرة السلة إلى لغة صامتة تُعلن: "السلطة هنا.. والموت للإشاعات".
عندما اجتاحت الشائعاتُ منصات التواصل في نوفمبر 2021، مُشيرةً إلى وفاة أردوغان، لم ينتظر الفريق التركي طويلاً. ففي مشهدٍ محكم، ظهر الرئيس وهو يُمارس كرة السلة بملابس رسمية، كأنه يُبرق للعالم: "الرجل الذي تُدفنونه على «تويتر» يقفز فوق شائعاتكم مثلما يقفز فوق السلة!". لم تكن الكرة هنا مجرد رياضة، بل أداةً لاختزال المعنى: "الحكم باقٍ.. والإخراج للإعلام".
اليوم، يعيد التاريخ نفسه مع تلميذ نجيب في مدرسة أردوغان: أبو محمد الجولاني. فبعد بيان السفارة الأمريكية الذي هدَّد بمحاسبة فصائله على مجازر الساحل السوري بحق العلويين، وانتهاكات ريف دمشق ضد الدروز، ظهر فجأةً كظلٍّ لمعلمه التركي. ارتدى ربطة عنق وقميصاً أنيقاً، وركل الكرة نحو السلة في مشهدٍ مُطابق، وكأنه يقول: "أنا رجل الدولة الذي تبحثون عنه.. لا تلمسوا تابوتي الإعلامي!".
لكن اللعبة هنا أعمق من مجرد تقليد. فصمت الجولاني عن انتهاكات إسرائيل التي وصلت إلى أسوار مناطق سيطرته، يكشف أن الرسالة الرياضية ليست سوى ستار لحربٍ أخرى. إنها محاولة لتحويل دم الضحايا إلى "نقاط" تُسجَّل في سجل الزعيم، بينما تُغسل يداه ببياض الربطة الرياضية!
اللافت أن المشهدين – التركي والسوري – يشتركان في سيناريو واحد: فكما حوَّل أردوغان الرياضة إلى ردٍّ على شائعات موته، يحاول الجولاني تحويلها إلى ردٍّ على تهديدات إقصائه. كأنما كرة السلة أصبحت جسراً سرياً بين أنقرة والفصائل السورية، تُمرر عبره رسائلُ مزدوجة: للداخل بأن "الزعيم أقوى من كل التحديات"، وللخارج بأن "اللعبة السياسية لا تزال تحت السيطرة".
وفي الزاوية البعيدة من الملعب، ثمة أسئلة تطفو: لماذا اختار الجولاني ربطة العنق والقُميص الرسمي فجأةً، بعد سنواتٍ من خطابٍ ديني يرفض "تقليد الكفار"؟! وهل تحوَّل ارتداء الزي الغربي إلى جزء من صفقةٍ سياسية لـ"تجميل" صورة الفصائل المتطرفة؟ أم أنها محاولةٌ لاستعارة شرعية النظام الدولي عبر تقليد رموزه؟
الأكيد أن كرة السلة هنا تجاوزت كونها رياضة. إنها مِرساة يُلقيها السياسيون في بحر الإعلام ليثبتوا أن سفنهم ما زالت تُبحر، حتى لو كانت أجساد الضحايا تزيّن قاع البحر. ففي كل مرة يُسجل أردوغان أو تلميذه هدفاً وهمياً على الملعب، يُسجلان هدفاً حقيقياً في مباراة السلطة.. حيث الكرة الحقيقية هي رؤوس الناس، والقواعد الوحيدة هي قانون الغاب!