كيف انتقلت وثائق "إيلي كوهين" من يد "الجاسوس التركي" إلى خزانة الموساد؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  


كيف انتقلت وثائق "إيلي كوهين" من يد "الجاسوس التركي" إلى خزانة الموساد؟ الاسرائيلي كيف حصل عليها أصلًا، ولماذا سلمتها أنقرة إلى تل أبيب؟


عاد الجاسوس التركي "تامر تركماني" إلى سوريا في 25 ديسمبر 2024، وبعد يومين فقط وصل إلى الملف الأمني للشرع (1) المحفوظ في "الفرع 235" التابع لشعبة المخابرات العسكرية "فرع فلسطين".. فمن هو تركماني؟


ناشط سوري معروف وموثِّق بصري بارز.. بدأ مصورًا ومصممًا، ثم تحول إلى التوثيق بعد إصابته برصاصة قناص في درعا، فانتقل إلى الأردن ثم استقر في تركيا.


منذ 2014 كرّس حياته لأرشفة الثورة/الحرب، فجمع أكثر من ثلاثة ملايين ملف (فيديوهات، صور، وثائق) وأنجز لوحات عملاقة لصور ضحايا الحرب الأهلية السورية، إحداها بطول 170 مترًا نُصبت أمام البيت الأبيض عام 2015، وأخرى لآلاف الأطفال عُرضت في إسطنبول.


أسس "أرشيف الثورة السورية" بدعم من "هاكان فيدان" شخصيُا، ولقبه البعض بـ"قيصر سورية الثاني" لتوثيقه 185 ألف قتيل و17 ألف مفقود ومعتقل.


في 19 ديسمبر 2025 نشر تامر مناشدة للحفاظ على وثائق سجن صدنايا بعد الفوضى التي أعقبت سقوط النظام (2). ووفق "مصادرنا الموثوقة" استدعاه ياسين أقطاي - مستشار أردوغان - إلى فيلا استخبارية في Sarıyer (21 ديسمبر)، واعدًا إيّاه بكل الإمكانات اللازمة لجمع كل ما يريده من أرشيف النظام السابق.


أُرسِل تركماني إلى دمشق في 25 ديسمبر بعد اثني عشر عامًا من الإقامة في تركيا، ترافقه خلية استخبارات تركية وهي التي كانت تمده بالمعلومات الحساسة طوال سنوات نشاطه.. بعد 48 ساعة فقط وصل إلى ملف الشرع!


في 30 ديسمبر نشر تامر مقطعًا مصورًا من داخل مكتبةٍ ضخمةٍ تحت الأرض تكتظّ بآلاف وثائق مراقبة المواطنين، "إلى ما لا نهاية" كما قال.. ولم يُعثر لها على باب، إذ فُتح المدخل إليها بهدم أحد الجدران!

أشار تامر إلى أنه يتعمد "عدم ذكر اسم الفرع الأمني" حفاظًا على سرية الموقع، غير أن مصادرنا تؤكد أن المكان ليس سوى طابقٍ واحد في أرشيف مكتب الأمن الوطني (مقر خلية الأزمة سابقًا).. داخل ما يعرفه السوريون بـ"المربع الأمني" في دمشق (3).


في اليوم نفسه، وبالملابس عينها، نشر مقطعًا من داخل إدارة المخابرات العامة – الفرع 215 (سرّية المداهمة) الكائن أيضًا في المربع الأمني (4).


ثم نشر فيديو آخر بالملابس ذاتها في 3 يناير 2025، من داخل مكتبة ضخمة مخصصة لمراقبة "النشاط الخارجي"، مشيرًا إلى "عدم ذكر الفرع الأمني" حفاظًا على السرية.. غير أن مصادرنا تؤكد أنها "طابقٌ آخر" من أرشيف مكتب الأمن الوطني (5).


تُؤكد المصادر المطلعة أنه في الفترة نفسها وصل تركماني برفقة الفريق التركي، إلى أرشيف "القيادة العامة لوزارة الدفاع السورية" القائم في المربع الأمني ذاته بدمشق.. حيث يُحفظ ملف الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين"!


لا نملك دليلًا قاطعًا على أن الهدف كان ذلك الملف تحديدًا، أو أنهم عثروا عليه مصادفةً بين ملايين الوثائق.. غير أن المؤكد أن تركماني صاحبُ مهارةٍ أرشيفية استثنائية تُمكنه من انتقاء ما يريد بسهولةٍ وسط هذا الكم الهائل من السجلات!


عاد تامر إلى تركيا سريعًا بعد أن أتم مهمته بنجاحٍ منقطع النظير، ومن هنا بدأت المرحلة السياسية للعملية.. إذ سعت الاستخبارات التركية إلى توظيف الملف دبلوماسيًّا، لما له من قيمةٍ عظيمة لدى إسرائيل على الصعيدين الدعائي والتاريخي.


عقب الاعتراف الأميركي يالشرع، تحت غطاء سعودي بمليارات الدولارات.. جرت في 16 مايو مباحثاتٌ مباشرة في أذربيجان  (إحدى الدول التركية الست - ذات الأغلبية التركمانية الموالية لأنقرة) جمعت رئيس هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي "عوديد بسيوق"، بممثلين عن الشرع ومسؤولين أمنيين أتراك.. تمّ الاتفاق على ملامح العلاقات المستقبلية وإظهار "حسن نية" الشرع تجاه إسرائيل.


وفي خطوةٍ عملية بعد 48 ساعة فقط، سُلِّم "الأرشيف السوري الرسمي" الخاص بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في 18 مايو 2025 برعاية وإشراف أمريكي (6)


هكذا تُصنع الصفقات في زمن العثمانيين الجدد.. وثائق دمشقية، أيدٍ تركية، خزائن إسرائيلية!