نبض سوريا - متابعة
في لقاء حواري نظمه معهد العلوم السياسية في باريس (Sciences Po) بحضور واسع من شخصيات أكاديمية ودبلوماسية وسياسية، أدلى العميد مناف طلاس بسلسلة مواقف حاسمة حول مستقبل سوريا بعد سقوط نظام الأسد. شدّد طلاس على أن الثورة السورية لم تكن تهدف لتغيير شخص، بل لبناء دولة ومؤسسات فعلية. وأوضح أن انهيار النظام لم يكن نتيجة انتصار داخلي صرف، بل نتيجة خلل في التفاهمات الدولية.
أبرز طلاس أهمية تشكيل مجلس عسكري وطني يضم كل القوى المسلحة، بما فيها قوات قسد وفصائل السويداء والساحل، ضمن جيش موحد يتبنى عقيدة وطنية علمانية غير طائفية. وأكد أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون حامية للمرحلة الانتقالية، وليست خاضعة لأي مشروع أيديولوجي ديني.
رغم تمنياته للرئيس أحمد الشرع بالنجاح، عبّر طلاس عن قلقه من خطر تكرار التفرد بالسلطة، مشددًا على أن النجاح لا يُقاس بالوصول إلى الحكم، بل ببناء دولة تستوعب جميع المكونات دون إقصاء أو تهميش. كما دعا للاستفادة من خبرات السوريين في الشتات، والتزام القرار الدولي 2254 كخارطة طريق لإطلاق مرحلة جديدة من العدالة والدولة المؤسالحفاظ على المؤسسة العسكرية ومحاولات الاختراق
أنا لم أغِبْ، ومنذ انشقاقي حاولت في السنين الماضية الحفاظ على المؤسسة العسكرية، وأقمت عامين في أنقرة وساهمت بانشقاقات كبيرة في صفوف ضباط الأسد من بينهم ضباط علويون، ومسؤوليتي كانت الحفاظ على الجيش السوري، ولكن لم أستطع بسبب التدخل الدولي في الملف السوري والتبعية وتدوير الزوايا بين مصالح الدول ومبعوثي الأمم المتحدة.
الثورة السورية انتهت من لحظة تشكيل المجلس الوطني منذ نهاية عام ٢٠١١، وحاولت العمل دائمًا عبر الإعلان عن مجلس عسكري لسببين: الأول لاستمرار جذب المؤسسة العسكرية، والثاني لامتحان اختراق المربع الأمني لما يُراد لسوريا.
وصلنا اليوم لمربع نريد فيه سوريا (تَبِعْنا). سوريا هي روحنا، سوريا هي طريقة تفكير، سوريا هي موقف حياة. لم يبنها لا الشرع ولا بشار ولا مناف طلاس. سوريا عمرها ٧ آلاف سنة من كل الإثنيات، بينها تعايش. هذه سوريا ليست للون ولا لطائفة، وتموت سوريا وتلفظ الطائفية، ولا تُحكَم بمن يفكر بمنطق الطائفة.
دوافع الانشقاق ورفض العمل المسلح
حاولت عام ٢٠١١ العمل على المصالحة ومساحة من الحوار مع الثوار، وذهبت إلى دوما ودرعا وحمص وبانياس وكل سوريا لاستيعاب الحراك الثوري، وكانت مطالب الثوار الدخول للدولة للأخذ من سلطة النظام لمصلحة سلطة الدولة.
ولم أستطع التأثير على الأسد وطلبت منه أن يقوم بالانقلاب من الداخل والأخذ بالتغيير السلمي، ولكن بشار كان يخاف من ذلك. وقد نجحتُ في الحل السلمي، وبسبب أخذ النظام بالحل الأمني انسحبت من المشهد وانشققت وذهبت إلى فرنسا.
وقبلها بقيت عامًا كاملًا أُقارع النظام ورفضت حمل البندقية على الشعب السوري سواء مع النظام أو مع المعارضة. الهدف عدم القتل، ورفضت أن أكون قائد الفصائل لأن المقصود قتل سوريا، وأصبح الصراع مع المعارضة لإغراق سوريا.
كيف سقط النظام؟ قراءة عسكرية ودور تركيا
لا يمكن قول الحقيقة كاملة في الإعلام. وكنت في تركيا أثناء السقوط وشهدت تمامًا ما حصل. ونظام الأسد كان متماسكًا نتيجة اتفاقات دولية وسقط نتيجة خلل في هذه الاتفاقات. والأتراك هم من رعى هذا السقوط، والدولة التركية كان لها دور في ذلك مع شعورهم بتنامي مشروع انفصال شمال شرق سوريا، فسرَّعوا بهذا الانقلاب، وأفضل شيء كان جاهزًا كان هذا الفصيل، وبعدها أصبح هناك تبنٍّ دولي ومحاولة استيعاب هذا الانهيار.
رمزية الشرع بين الثورة والتسوية
نحن نتمنى نجاح الشرع في دخول الدولة وليس السلطة السياسية، وهناك إشكال حقيقي في طريقة الدخول وطريقة الانتصار. وهناك تجاذبات في هذه المرحلة، وتركيا شعرت بالخطر وسرَّعت بعملية إسقاط النظام وترتيب المنطقة واعتمدت على هذا الفصيل. وشهدنا تداعيات ضد قسد والسويداء.
نحن لا ننافس على السلطة ولا تعنينا السلطة نهائيًا ولسنا طلابًا لها، ونأمل لهم النجاح، ولكن طريق النجاح يبدأ ببناء الدولة واستيعاب الآخر وليس إلغاءه، وبالمشاركة الحقيقية وليس التفرد بالسلطة، وأن تكون كل سوريا ممثلة وليست لونًا واحدًا، ونحن نرى أن هناك لونًا واحدًا اليوم.
خارطة طريق لبناء جيش وطني علماني
الجيش السوري ومنذ تأسيسه معلوم طائفيته. ومنذ انشقاقي تواصلت مع العديد من الضباط العلويين سرًا ووصل العدد إلى ١٨ ضابطًا علويًا برتبة لواء، كانوا جاهزين للمشاركة، والمجتمع الدولي هو من أخَّر هذا الملف. ينبغي أن يكون هناك مجلس عسكري وطني يوحِّد البندقية ويحولها لبندقية وطنية، وتُدمَج فيه كل القوى على الأرض من قسد وفصائل السويداء وقوى في الساحل، وتأهيل وبناء جيش وطني حقيقي. وحتى لا يُقال خرجنا من حكم العسكر ودخلنا بحكم العسكر. والبلد الآن في فوضى، والفكرة توحيد البندقية وتحويلها إلى بندقية عسكرية وطنية. البندقية اليوم مأجورة، وكانت سابقًا مأجورة فصائليًا أو طائفيًا أو انفصاليًا، لصالح أجندات ترعاها قوى خارجية أو داخلية.
الهدف الآن وضع خارطة طريق لتشكيل مجلس عسكري يقوم بتشكيل جيش وطني، والموجود حاليًا ليس جيشًا وطنيًا ويسير بطريق الانقسام. وينبغي أن تكون هناك عقيدة علمانية للجيش؛ جيش علماني وليس جيشًا إسلاميًا بمفهوم الشيخ أو رجل الدين.
سوريا دولة للجميع، وعلى الأقل المؤسسة العسكرية ينبغي أن تكون مؤسسة علمانية، وبعدها شكل الدولة يؤمِّن الحماية. وأهم نقطتين هما الأمان والعدل، والمؤسسة العسكرية تؤمِّن المرحلة الانتقالية.
لدي تواصل مع كل الأطراف، ومعي 10 آلاف ضابطا منشقا، منهم من قسد ومن النظام السابق ومن الفصائل. والهدف حماية المرحلة الانتقالية وحماية السيادة السورية وتشكيل مجلس عسكري وتوسيع سلطته، وينبغي التوسيع والأخذ من سلطة الرئاسة لصالح المجلس العسكري والسلطة الانتقالية. وليس لدينا مشكلة أن يبقى رئيس، لكن يجب أن تُبنى مؤسسة عسكرية ومؤسسات مدنية تحمي كل الأقاليم بمفاهيمها الحقيقية.
القرار 2254 والنقطة المحورية نحو الحل
القرار ٢٢٥٤ قرار أكدت جامعة الدول العربية بقرارها الأخير إحياءه منذ أسبوع، وكذلك الاتحاد الأوروبي. ونحن مع تعديله والإبقاء على روحه، وتشكيل سلطة انتقالية ودستور جديد وانتخابات، ومجلس عسكري يحمي الفترة الانتقالية. والأفضل أخذ خارطة طريق دولية ليس عليها فيتو ليكون نقطة انطلاق لسوريا القادمة ويُبنى عليها.
مفتاح التعافي الاقتصادي: بناء الثقة قبل الاستثمار
الأهم هو بناء الثقة عبر الأمان والعدل، وهما عمودا الدولة، وعلى أساسهما يُبنى الاستثمار ويأتي المستثمرون ويُبنى عليها قوانين وأنظمة.
أما أن نقول: اجلبوا المال والاستثمارات ولا يوجد عدل ولا أمان ولا محاكم ولا يوجد دستور ولا قوانين، والناس ترى كل ذلك، ولا يكفي الكلام الجميل للمستثمرين.
والسؤال: هل سنبني دولة أم سنسرق سلطة أم نبني دولة؟ إذا أردت الدخول في الدولة ينبغي أن أتأكد أن هناك حقيقة سلطة انتقالية وجيشًا وشرطةً وقضاءً وعدلًا. حينها يأتي الاستثمار. وسوريا لها باع بالأعمال والتقدم. وسوريا أول دولة نزعت الحجاب، وليس موضوعنا نزع الحجاب، ولن نتدخل في دين الدولة، ونحن نحترم كل العقائد ولا نفرِّق بينها، وهناك فصل بينهما.”
العدالة والانتقال القضائي بعد أحداث الساحل والسويداء
نترحم على كل الضحايا، والضحايا الذين قتلهم النظام السابق، ومع كل الضحايا. وعندما يكون الجسم سليمًا تكون الأطراف. وطبيعة الناس الدفاع عن نفسها في مواجهة الخطر.
نتمنى أن يكون هناك قانون لمحاسبة حقيقية وليس تشكيل لجان. والآن ينبغي بناء دولة جديدة، والمشهد الحالي غير صحيح. وينبغي حصول انتقال حقيقي وحكم انتقالي حقيقي ومدني وقضاء مدني عادل.
هذه مرحلة معقدة وصعبة جدًا بين نظام فاسد وديكتاتوري على مدار 50 سنة، والآن نظام جديد إسلامي يصعِّب مهمة وجود مؤسسة قضائية سليمة.
لذلك أنا أفضل الاستفادة من السوريين في الشتات الذين عاشوا عهد عمل المؤسسات وعملوا بها، ويساعدوا بتشكيل جسم قضائي سليم عبر دمج بين الداخل والخارج حتى تتحقق العدالة. وهذا يحتاج ثقة، وهي الأساس. ولا يوجد الآن ثقة في سوريا ولا مساحة حقيقية للنقد ولا مساحة للاستيعاب، وعلينا تحمل المسؤولية لبناء دولة صحيحة. وهذه مسؤولية تاريخية دون اصطفاف وقول الحق دون مراعاة ما تطلبه منا الدول.
الدعم الدولي والتسابق على التطبيع
حصل هناك انهيار للمشهد في سوريا، وعند حصوله تتدخل الدول لمنع التشظي. وهناك دعم تركي وأميركي وبريطاني. وسوريا ساحة صراع للجميع، وكل دولة تحاول تحديد نسبة خسائرها لتلتقي مع الدولة الأخرى.
وبرأيي هذا ضبط لشكل الدولة وتداعياتها أين تذهب: هل تذهب لإسرائيل فتتلقاها إسرائيل، أم نحو تركيا فتتلقاها تركيا؟ تذهب تقسيمًا؟ ويجب تشكيل حاضنة لحفظ التشكيل الجديد بأقل خسارة لدول الإقليم، والدول العربية تحاول أن تساعد في هذه العملية وتستوعبها ضمن إطار معين. والمشهد العالمي كُسِر بانهيار النظام، نظام عمره 60 سنة، وهذا الانكسار السريع يحتاج لفرامل وضوابط لبناء الدولة الجديدة. ولنا دور في بناء هذه الدولة كسوريين، ونريدها دولة كاملة وواحدة. وسوريا لا تُقسَّم ويمكن أن تُوسَّع.
من يحدد المسار؟ الخارج أم السوريون؟
برأيي في سوريا هناك تناقض وتضارب في المصالح الإقليمية والدولية في سوريا. وبالتالي هناك فتحة نور وفرصة تاريخية فُتحت للسوريين وينبغي الاستفادة منها. وهذه الفتحة ليست طويلة، وينبغي الدخول من هذه الفتحة لبناء الدولة السورية، وعمل حالة استقرار في سوريا.
موقفه من الإسلام السياسي والشرع
الإسلام السياسي له شكلان: مخفي وظاهر. والحقيقي الذي نراه هو مشروع قديم. وأنا بالنسبة لي أفضل الإسلام الأشعري أو الصوفي إلى حدٍّ ما والذي يبتعد عن السياسة، مع دخول وتشكيل أحزاب في سوريا دون أن يفرضوا عقيدة على مشروع الدولة السورية، وأن يكون لهم صوت حقيقي ويدخلوا البرلمان. سوريا تستوعب الجميع. والشرع قال إنه ترك القاعدة، وعلينا بناء دولة حقيقية لنا كسوريين جميعًا.”
التطبيع مع إسرائيل: هل هو مطروح؟
فكرة التطبيع أو السلام ما زال الوقت مبكرًا. سوريا دولة هشة وضعيفة الآن بعد حرب طويلة، والسلام يكون بين أفرقاء. والتطبيع أو السلام كيف يحصل وكل يوم هناك قصف؟ والتطبيع يحتاج وقتًا، وسوريا هي المدخل لأي سلام برأيي، لأن سوريا قادرة على التطبيع بسبب تعدد إثنياتها. ولكن المنطق يقول أن نستمر كجيران.
قبل التطبيع ينبغي ألا أكون خائفًا. والتطبيع قرار سيادي يحتاج إلى دستور وخارطة طريق لبناء سلام صحيح. وسوريا ليست بوضع صحي لاتخاذ قرارات سليمة. وعن أي سلام نتحدث بعد تدمير الجيش السوري؟ نحن مع السلام، ولكنه يحتاج إلى وقت ومنحى صحيح بثوابته وقيمه. ونحن ننتقل من بلد مقاوم إلى تسليم وسلام، والسلام ينبغي أن يُبنى على توازن. وكيف يتم بناء سلام ولا يوجد جيش؟
العلاقة السورية اللبنانية
سوريا ولبنان لديهما نفس المكونات، ومواضيع ترسيم الحدود والمعتقلين والتعاون الاقتصادي كلها مشتركات، والعلاقة وثيقة كأشقاء. ونحتاج لدولة صحيحة تضع هذه العلاقات بشكل سليم.
رسالة من باريس إلى الشعب السوري
الشعب السوري عانى ويحتاج إلى الدخول إلى الدولة، ويحتاج إلى خطوات حقيقية من السلطة للدخول في الدولة. يجب إعادة بناء جيش وطني سليم يضمن السلم الأهلي ووحدة سوريا. وأهم شيء وحدة سوريا وبناء دولة المؤسسات وعودة الشتات بشكل منظَّم، والأمان والعدل هو ما يبني الثقة.
هل هناك تنسيق مع الدولة السورية؟ وماذا عن المجلس العسكري؟
لم يحصل أي تواصل حقيقة، وليس لدي أي مشكلة أن نتواصل، وليس هناك أي تواصل من قبلهم. مجلس عسكري قادرون على تأسيسه، ونترقب اللحظة الدولية. وعلاقات تحت الطاولة لا يوجد.
نحن حالة وطنية ونضع كل شيء على الطاولة حتى نستطيع المضي، لكن لا يوجد اتصالات ولا تنسيق.”
هل ما زال العميد طلاس متحفظًا؟
أنا لست متحفظًا. عندما أتحدث عن دولة علمانية هذا يعني أنني واجهت. عندما أتحدث عن مؤسسة عسكرية هذا يعني أنني واجهت. ليس من الضروري أن أنتقد، ولكن أنا أضع خارطة طريق. أنا لست ضد هذه السلطة إذا أصلحت أنا معها. وسوريا أكبر من الجميع.”
حول اللامركزية والفيدرالية والمركزية الموسعة
الأهم هو الثقة. وشكل الدولة الذي أريده هو الدولة الوطنية الواحدة. والأكراد أصدقائي، وأنا مع التقسيم إن لم يكن هناك جسم صحيح للدولة، وموضوع الفيدرالية واللامركزية تضغط بعض الدول نحوه وتفرضه علينا الدول الداعمة.
نحن نفضل الدولة الواحدة بصلاحيات وحقوق أكبر. وشمال شرق سوريا يسير بهذا الدعم ضمن إطار معين، وقد يتبعه الساحل والسويداء. وهذا كله يحتاج خارطة طريق لبناء ثقة متبادلة بين كل المكونات وبناء الدولة وبناء مجلس عسكري.
نحتاج لطرح مشاريع نستطيع حمايتها مثل الفيدرالية. ويمكن الحديث عن إدارات محلية موسعة الصلاحيات مع جيش واحد وخارجية واحدة وحقوق واسعة تضمن استرداد الناس حقوقها.سية.