نبض سوريا - متابعة
يُقدَّم رفع قانون قيصر بوصفه بوابة لالتقاط أنفاس الاقتصاد السوري وفتح طريق التعافي وإعادة الإعمار.
على الورق، تبدو الفرصة سانحة: تدفّق استثمارات مؤجلة، تنفيذ مذكرات تفاهم معلَّقة، وعودة رؤوس أموال كانت تخشى تقلبات العقوبات، لكن السؤال الجوهري ليس هل رُفعت العقوبات، بل لمن ستعود ثمار الرفع، وتحت أي شروط، وبأي قدرة على الالتزام؟.
من حيث المبدأ، لا خلاف على أن إنهاء القيود يخفّف اختناقات التمويل والتحويلات ويعيد وصل السوق السورية بشبكات المال الإقليمية والدولية غير أن التجربة السورية تقول إن فتح الصنبور لا يعني بالضرورة وصول الماء إلى البيوت فغياب الشفافية، وتآكل المؤسسات، وضعف القطاعات الإنتاجية، عوامل تجعل أي انفراج خارجي مهدَّدا بأن يتحول إلى ريع محصور بدل أن يكون نموا شاملا.
شروط واشنطن… والاختبار الأصعب
رفع العقوبات جاء مشروطا بسلة سياسية–أمنية ثقيلة: استمرار محاربة تنظيم داعش، الانخراط مع التحالف الدولي، ضمان حقوق الأقليات الدينية والإثنية وتمثيلها، الامتناع عن عمليات أحادية ضد دول الجوار ومنها إسرائيل، إبعاد المقاتلين الأجانب عن مفاصل الدولة، وفتح مسارات محاسبة على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذه الشروط ليست تفصيلًا إجرائيا؛ إنها معيار ثقة.
وهنا يبرز الامتحان الأصعب: حماية الأقليات. ففي ظل تقارير عن عمليات تصفية يومية تطال مدنيين من مكونات بعينها، يصبح الحديث عن ضمان الحقوق بلا أثر ملموس أقرب إلى الوعد السياسي منه إلى السياسة العامة، بالتالي أي إخفاق في هذا الملف لا يهدد فقط استمرارية رفع العقوبات، بل يعمّق الشرخ الاجتماعي ويقوّض الاستقرار الذي يفترض أن يكون أساس التعافي.
امام كل هذا تواجه سلطة أحمد الشرع معضلة مزدوجة: إقناع الخارج بقدرتها على الوفاء بالشروط، وإقناع الداخل بأن هذه الشروط لن تدار على حساب الكرامة والعدالة. غير أن مؤشرات الحوكمة الاقتصادية تثير قلقا مشروعا، فحصر مفاصل الاقتصاد بيد دائرة ضيقة تتردد أسماء أشقاء الشرع وأبو مريم الأسترالي ينذر بإعادة إنتاج اقتصاد المحسوبية وحكومة ظل ترأس الاقتصاد بعيدا عن الوزارات المعنية، وفي هذه الحالة قد تتحول الاستثمارات إلى صفقات مغلقة، وتغيب المنافسة، ويُستبعد القطاع الخاص الحقيقي، ويُهمّش العمال.
هل يلمس السوريون فرقًا؟
إذا بقيت الإصلاحات بنيوية مؤجَّلة، واستمر الفساد بلا محاسبة، فإن رفع قيصر قد لا ينعكس سوى على مؤشرات كلية لا يشعر بها الناس: أرقام تعاقدات، صور توقيع، ومشاريع لا تغادر البيانات الصحفية أمّا الأثر الملموس وظائف، خدمات، أمن، عدالة فسيظل بعيدا.
الرسالة الأميركية، القادمة من الولايات المتحدة، واضحة: الانفتاح مشروط لكن الرسالة الأهم يجب أن تأتي من دمشق إلى السوريين: لا تعافٍ بلا حماية حقيقية للأقليات، ولا نموّ بلا كسر احتكار الاقتصاد، ولا استقرار بلا محاسبة ومن دون ذلك، قد يصبح رفع “قانون قيصر” فرصة ضائعة أخرى، تُضاف إلى سجل طويل من الوعود التي لم تصل إلى حياة الناس.
في الختام يمكن القول إن المستقبل السوري بعد “قيصر” لن يُقاس بسرعة تنفيذ المشاريع، بل بمدى اتساعها وعدالتها، وبقدرة السلطة على تحويل الشروط الخارجية إلى إصلاح داخلي حقيقي و إن لم يحدث ذلك فالسوريون قد يدفعون ثمن الشروط مرتين: مرة باسم العقوبات، ومرة باسم رفعها.