نبض سوريا - متابعة
يكمن جوهر الإشكالية في الخطاب الإعلامي السوري الرسمي وشبه الرسمي، ليس فقط في الانتقائية بتوصيف الضحايا، بل في التمييز الطائفي الواضح الذي يحكم استخدام مفردات مثل شهيد وقتيل، ففي الحالات التي يكون فيها الضحايا من أبناء الطائفة العلوية، كما في تفجير الجامع في حي وادي الذهب بمدينة حمص، تتعمّد معظم وسائل الإعلام استخدام توصيفات محايدة وباردة مثل "مقتل عدد من الأشخاص" أو "سقوط قتلى"، دون أي توصيف أخلاقي أو رمزي، ودون الإشارة إلى طبيعة الجريمة أو مكانها الديني، وكأن الضحايا مجرّد أرقام في نشرة أخبار.
في المقابل، حين يكون القتلى من عناصر تابعة لوزارة الدفاع أو الأجهزة الأمنية، أو من مكوّنات أخرى، يُمنح الحدث فورا توصيف "الاستشهاد".
هذا التباين لا يستند إلى معيار قانوني أو إنساني، بل إلى هوية الضحية وانتمائها.
ولا يتوقف هذا السلوك عند مستوى التوصيف اللغوي، بل يمتد إلى طمس متعمّد للسياق، إذ تتجنب قنوات موالية لسلطة الأمر الواقع وجهات حكومية ذكر اسم الجامع المستهدف أو الحي الذي وقع فيه التفجير، في محاولة واضحة لتجريد الحدث من بعده الطائفي والاجتماعي، كما جاء بيان وزارة الخارجية خاليل من أي تحديد دقيق للمكان أو لطبيعة الاعتداء، ما يعكس رغبة في تفريغ الجريمة من دلالاتها.
وفي خطوة أكثر إشكالية، ذهبت إحدى القنوات إلى إجراء لقاءات مع أشخاص قُدّموا على أنهم من أبناء المكوّن السني للتأكيد على أن الجامع "جامع للسنة"، في طرح بدا أقرب إلى محاولة إعادة هندسة الرواية بدل نقل الحقيقة، عبر صرف الأنظار عن كون الضحايا مدنيين قُتلوا داخل مكان عبادة.
هذا الخطاب الإعلامي لا يعكس فقط انحياز سياسيا، بل يُكرّس معادلة خطيرة مفادها أن قيمة الدم تختلف باختلاف الطائفة أو الموقع من السلطة فالشهيد، وفق هذا المنطق، ليس كل من قُتل ظلما، بل من يخدم موته سردية بعينها أما المدني، إن كان من طائفة غير مرغوب في تحويلها إلى رمز فيُسلب حتى من حقه في التوصيف.
الأخطر أن هذا النهج يساهم في تطبيع العنف الطائفي، ويُفرغ الجرائم من بعدها الأخلاقي، ويُحوّل الضحية إلى تفصيل ثانوي، بينما يُعاد إنتاج الانقسام المجتمعي عبر الإعلام بدل معالجته.