نبض سوريا - متابعة
تناولت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في تغطية موسعة تطورات المشهد السوري بعد خروج تظاهرات احتجاجية للعلويين في الساحل السوري ومدينة حمص وريف حماة، وذلك عقب التفجير الذي استهدف مسجدًا يرتاده أبناء الطائفة العلوية في مدينة حمص، وأسفر عن ثمانية قتلى، في هجوم وُصف بأنه «الأحدث ضمن سلسلة اعتداءات طائفية» منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد أواخر عام 2024.
ووفقًا لوزارة الصحة السورية، قُتل ثلاثة أشخاص على الأقل الأحد برصاص مجهول خلال تفريق احتجاجات في غرب البلاد، فيما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن اثنين منهم سقطا برصاص قوات الأمن خلال فضّ التظاهرات، بينما قالت مصادر طبية إن جثتين نُقلتا إلى مستشفى محلي في الساحل، ولم تعترف السلطات بإطلاق النار، لكنها تحدّثت عن «احتواء الموقف» متهمة «فلول النظام السابق» بمهاجمة قوات الأمن وإثارة الفوضى.
وشهدت مدن اللاذقية وجبلة وطرطوس إضافة إلى أحياء في حمص ومناطق من ريف حماة انتشارًا أمنيا كثيفًا وتدخلات مباشرة لفضّ الاحتجاجات.
وأفاد مراسلو وكالات فرنسية برصد مواجهات محدودة بين المتظاهرين ومجموعات موالية للسلطة الحالية، في وقت دوّت فيه هتافات رافضة للعنف ومنددة باستمرار استهداف العلويين.
«ذهب الأسد ولن يعود، لماذا القتل؟»؛ هكذا صرخ التاجر نمير رمضان (48 عاما) من قلب اللاذقية، في شهادة نقلتها لوفيغارو، مضيفا: «رحلنا عن مرحلة الأسد، ولسنا مع الأسد.. لكن لماذا الدم؟ لماذا الخطف والسبي؟ من يحاسب ومن يردع؟»
وفي جبلة الساحلية رُصدت مناوشات مماثلة، بينما وثّق المرصد سقوط إصابات متفاوتة الخطورة في حمص.
التظاهرات جاءت استجابة لدعوات أطلقها الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، الذي خرج في تسجيل مصوّر ليخاطب أبناء طائفته قائلاً: «نري للعالم أن المكوّن العلوي لا يمكن أن يُهان أو يُهمّش، لا نريد حربا أهلية، نريد فدرالية سياسية تضمن حق تقرير المصير». وقد حمل المتظاهرون صوره ولافتات تطالب بـ«اللامركزية» و«حماية المكوّنات».
وفي السياق ذاته، قالت هديل صالحة (40 عاماً)، ربة منزل من جبلة، إن «الفدرالية مطلب لحقن الدم، الدم العلوي ليس رخيصا، والدم السوري ليس رخيصا. نُقتل لأننا علويون».
وتضيف الصحيفة أن هذه التصريحات تعكس تحوّلًا في خطاب الطائفة للمرة الأولى منذ عقود، وانفتاحًا على خيارات سياسية جديدة خارج مركزية دمشق.
تزامنا مع تصاعد الاحتجاجات، ازدادت مخاوف الأقليات من تكرار سيناريوهات آذار الماضي، حين شهدت مناطق الساحل موجات عنف طائفي دامية؛ حيث وثّقت لجنة وطنية مقتل 1426 علويا، بينما قدّر المرصد العدد بأكثر من 1700 قتيل، وخلال تلك الفترة، شنت السلطات حملات اعتقال واسعة طالت مناطق ذات غالبية علوية كانت معاقل للنظام السابق، قبل أن تُفرج مؤخرًا عن 70 موقوفًا «لعدم تورطهم في جرائم حرب» بحسب التلفزيون الرسمي.
وبينما تؤكد دمشق أنها «تحمي جميع السوريين»، لا تخفي الصحيفة الفرنسية أن الخشية ما تزال قائمة حيال مستقبل المكوّنات الدينية في ظل السلطة الإسلامية الجديدة التي تحكم البلاد اليوم، والتي ترفض حتى الساعة الدعوات المحلية والدولية لاعتماد الفدرالية أو أي صيغة حكم لامركزية.
وتخلص لوفيغارو في تقريرها إلى أنّ سوريا تقف أمام مفترق خطير؛ فإما الاستجابة لمطالب الاحتجاجات وفتح مسار سياسي جديد يحمي التنوع المجتمعي، وإما العودة إلى «مربع الدم» الذي غرق فيه السوريون لسنوات طويلة.
وبين التفجير والتظاهرات، تبقى الأسئلة معلّقة: هل تكون الفدرالية بوابة الخلاص، أم شرارة انقسام جديد؟