نبض سوريا - خاص
في سبتمبر/أيلول ٢٠١١، وبعد قرابة ٦ أشهر من اندلاع الثورة السورية، كتب إفرايم إنبار،
أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، ورقة بحثية عن أهمية احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على مرتفعات الجولان السورية، حرَّض خلالها قادة إسرائيل على رفض صيغة "الأرض مقابل السلام"، فيما يخص منطقة الجولان المُحتلة على وجه التحديد.
فاعتبر أنّ هذه المقايضة أو تسليم الجولان و تركه سيكون له مكاسب محدودو تجاه منفعتهم،
و في تفسيره و شرحه عن الحال السياسي أم الحال الإقليمي تجاه ما يهتبره أنّه " بلده "
فقد تم توصيله لفكرة أنّه مهما حصل بينهم و بين سوريا، و مهما كان النّظام بنظره قريب منهم، لن يكونوا السوريون إلّا في سلامٍ بارد معهم هذا بحال تمّ تحقيق السّلام،
لا كما كصل مع النّظام المصري الذي تم توقيع إتفاقيّة سلام و عدم التعرّض ل " إسرائيل " بالقوّة و السّلاح،
و لكن الحريّة لا يمكن أن تنسى مهما رقضنا على رفات أنفسنا فشعبيّا و إعلاميًّا لم تنتهي بهم الأمور بالصداقة و الإنفتاح،
وبجانب هذه الإضطرابات بنظرهم،
أشار "إنبار" إلى عامل التقوقع السياسي الذي أبرزته "انتفاضات الربيع العربي"، التي تزامنت مع توقيت نشر ورقته، مشيرا إلى أن التحديات الداخلية التي تواجهها أغلب الأنظمة العربية، بما في ذلك نظام بشار الأسد، تأتي في المقام الأول من قِبَل جماعات المعارضة الإسلامية المعادية " لإسرائيل " التي قد تُشكِّل خطرا عليها.
وفي حين استبعد "إنبار" تمكين العناصر الليبرالية في سوريا على المدى القريب، رجَّح أنها لن تكون أيضا أكثر ميلا إلى المصالحة مع إسرائيل، في حالة تولّيها زمام السلطة في دمشق،
وبعد ساعات من انهيار نظام بشار الأسد في ٨ ديسمبر/كانون الأول الماضي،
بادر الإحتلال بالتوسع داخل الجنوب السوري واقتحام المنطقة العازلة في الجولان التي جرى ترسيمها في اتفاق وقف الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام ١٩٧٤، كما سيطروا على جبل الشيخ في أقصى الجنوب الغربي لسوريا المتاخم للحدود مع لبنان وإسرائيل، الذي يعطي الأخيرة أفضلية إستراتيجية واستخباراتية عالية، نظرا لارتفاعه الهائل وسهولة الوصول منه إلى المناطق المحيطة بما فيها دمشق.
فكلّ هذه التطورات التي تأتي في سياق و حلول مشهد أمني إقليمي معقّد على إثر تطورات حرب طوفان الأقصى وتداعياتها الواسعة، ثم عملية "ردع العدوان التركية " التي أسقطت نظام بشار الأسد، تكتسب الجولان أهميّة مضاعفة،
وتبرز جميع الأسئلة و المكوّنات و المفاهيم حول الأبعاد الإستراتيجية للمنطقة ومآلات الصراع عليها.
ومن المنظور الجيوستراتيجي،
تُحقِّق السيطرة على الجولان عدة مزايا و ميزان ربح عالي، حيث دفعت الحدود بين سوريا وإسرائيل شرقا، حتى باتت تقع على طول خط تجمعات مائية في التلال الشرقية من الهضبة، بما يُشكِّل خطا دفاعيا طبيعيا أمام أي هجوم عسكري تقليدي، كما تفرض تضاريس و جبال و تخوم المنطقة على الجانب المهاجم توجيه قواته في ممرات ضيّقة و صعبة و وترة بين التلال، مما قد يُمكِّن قوة دفاعية صغيرة من عرقلة الهجوم وصدّه لحين استقدام التعزيزات.
فهذا مشهد عسكري أمني مهمّ و مفيد للإحتلال،
ومن جهة أخرى، يشكِّل الجولان المحتل منصة طبيعية حاسمة في جمع المعلومات الاستخباراتية، وتحديدا في جبل الشيخ الذي يبلغ ارتفاعه نحو ٢٨٠٠ متر ويُمثِّل الحد الشمالي للجولان، ويوفر قدرة هائلة على مراقبة المنطقة كاملة، ويلعب دورا محوريا في مراقبة تحركات القوات السورية في دمشق وما حولها،
وقد أنشأت إسرائيل هناك في أوقات سابقة سلسلة من مواقع المراقبة والتنصت، وتعتبرها حيوية للغاية بحيث لا يمكن المساس بها، وبفضل هذه المواقع يمكن متابعة الأهداف في عمق الأراضي السورية، ومن ثم استخدام الذخائر الدقيقة الموجَّهة ضدها، وكذلك توفير فرص الإنذار المبكر في حالة الهجوم الوشيك.