نبض سوريا - متابعة
في خضم استمرار الصراع السوري الدامي، تتكشف فصول مأساوية من الانتهاكات المنظمة التي ترتكبها الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني، ضد الطائفة العلوية في الساحل السوري.
هذه الانتهاكات، التي تتجاوز جرائم الحرب لتلامس حدود الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي، تطرح تساؤلاتٍ محرجة عن دور المجتمع الدولي وصمته المريب إزاء تصاعد خطاب الكراهية والدعوة المباشرة للقتل التي يتبناها قادة هذه الجماعات.
وتشهد المناطق العلوية في الساحل السوري أشكالاً متعددة من التطهير العرقي والديني، تبدأ بالإبادة الجسدية عبر عمليات القتل الممنهج والذبح الجماعي، وتستهدف المدنيين العزل بقذائف لا تميز بين مسلحٍ وطفلٍ أو امرأة.
ولا تقتصر الجريمة على القتل المباشر، بل تمتد إلى اعتقال آلاف الشباب العلويين وتعذيبهم حتى الموت، في محاولةٍ لضرب النسيج الديموغرافي للطائفة عبر تقليص قدرتها على الإنجاب.
على الصعيد الثقافي، تُهدم المقامات الدينية وتُحظر ممارسة الشعائر العلوية، فيما تُجبر عائلاتٌ على التخلي عن هويتها تحت تهديد السلاح.
أما اقتصاديًا، فتم إقصاء العلويين من الوظائف العامة ونهب ممتلكاتهم، ما يحولهم إلى مجتمعاتٍ فقيرةٍ معزولة.
سياسيًا، تستهدف الاغتيالات النخبَ من أطباء ومثقفين وقادة محليين، في مسعىً لتحطيم أي إمكانية لتمثيل هذه الطائفة أو الدفاع عن حقوقها.
هذه الصورة لا تختلف عن جرائم الإبادة التي شهدها العالم في رواندا، حيث ذُبح 800 ألف من التوتسي خلال 100 يوم، أو في سربرنيتسا حيث أُعدم 8 آلاف مسلم بوسني، أو حتى ما تعرض له الأيزيديون على يد تنظيم داعش. اللافت أن المجتمع الدولي اعترف بتلك الجرائم لاحقًا كإبادات جماعية، لكنه يتجاهل اليوم نداءات الضحايا في سوريا، رغم توثيق التقارير الأممية لانتهاكاتٍ تطابق تعريف "الإبادة" في اتفاقية 1948.
بينما يُلزم ميثاق الأمم المتحدة – عبر البند السابع – بالتدخل العسكري لوقف جرائم الإبادة، تتحجج القوى الكبرى بالجمود السياسي وحسابات المصالح، فيما تواصل روسيا استخدام الفيتو لحماية النظام الحليف، متجاهلةً أن ضحايا هذه المرة هم من العلويين أنفسهم الذين يُفترض أنها تدعي حمايتهم.
التاريخ سيحكم: هل سنشهد تكرارًا لفشل رواندا، حيث تحركت القوى العظمى بعد فوات الأوان؟ أم أن العالم سينتظر حتى يُكتب الفصل الأخير من إبادة جماعية جديدة، تُضاف إلى سجلّه المليء بالدماء والخيانة؟ السؤال ليس قانونيًا فحسب، بل هو اختبارٌ لأخلاق البشرية التي تبدو عاجزةً عن تعلم دروس ماضيها.