نبض سوريا - خاص
في خضم التحوّلات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، تبرز سوريا كمركز لتفاعلات معقدة تجمع بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تُعيد التحركات الدبلوماسية الأخيرة رسم خريطة التحالفات ومسارات الحلول.
تترافق هذه التطورات مع أسئلة ملحّة حول مستقبل الدور التركي في سوريا، ومدى إمكانية تحقيق تسويات سياسية تحفظ وحدة الأراضي السورية، أو تفتح الباب أمام ترتيبات جديدة قد تُعيد تشكيل المشهد.
السعودية وإيران: من تصادم إلى تعاون؟
تشكّل الزيارة الأخيرة للأمير خالد بن سلمان إلى إيران محطةً استثنائية في مسار العلاقات السعودية-الإيرانية، خاصةً في ظل الحديث عن "صمام أمان" للاستقرار الإقليمي.
تعكس هذه الخطوة رغبة الطرفين في تحويل التنافس التاريخي إلى أرضية للتعاون، لا سيّما في الملف السوري، حيث يُمكن لتفاهماتهما أن تُحدِث اختراقاً في جهود إعادة الإعمار أو تخفيف الاحتقان الطائفي.
لكن هذا التحوّل يطرح تساؤلات عن مصير القوى الأخرى الفاعلة في سوريا، وعلى رأسها تركيا، التي قد تجد نفسها أمام تحالفات إقليمية جديدة تُقلص من هامش تأثيرها.
قطر وروسيا: دعم الوحدة السورية كخيار استراتيجي
أكّد لقاء تميم بن حمد مع الرئيس الروسي بوتين على أولوية الحفاظ على "وحدة الأراضي السورية"، وهو الموقف الذي تتشاركه موسكو والدوحة، وإنْ بدوافع مختلفة. بينما تسعى روسيا إلى تعزيز حضورها عبر قواعدها في الساحل السوري، تُظهر قطر اهتماماً بإعادة هيكلة سوريا في المحيط العربي عبر مبادرات سياسية، كما تُشير زيارة أحمد الشرع إلى الدوحة وأبوظبي، والتي قد تكون جزءاً من مساعٍ لتحقيق مصالحة إقليمية تُنهي العزلة السورية.
تركيا في المعادلة السورية: إقصاء أم تفاهم؟
رغم عدم وجود إعلانات رسمية عن "إقصاء تركي"، إلّا أن التحركات العربية المُتسارعة تجاه النظام السوري الجديد، والحديث المتكرر عن وحدة أراضيه، يُشيران إلى ضغوط متزايدة على أنقرة للحدّ من وجودها العسكري في شمال سوريا.
مع ذلك، تبقى تركيا لاعباً أساسياً بسبب سيطرتها على مناطق حدودية، وتحالفاتها مع فصائل معارضة. قد تدفع التطورات الجديدة الأطراف إلى صياغة تفاهمات غير مكتوبة، تُوازن بين المصالح الروسية-الإيرانية والتركية، دون المساس بمبدأ الوحدة السورية الذي تُصر عليه الدول العربية.
هل التقسيم خيارٌ مطروح؟
رغم تمسك الأطراف الإقليمية والدولية بالخطاب الرافض لتقسيم سوريا، إلّا أن الواقع على الأرض يُظهر سيطرةً متباينة للإدارة المؤقتة والمعارضة لها والقوى الأجنبية على مناطق منفصلة.
قد تؤدي التفاهمات السياسية إلى "تقسيم ناعم" عبر لا مركزية إدارية، أو حكم ذاتي محدود في مناطق معينة، كبديل عن التقسيم الجغرافي الصريح. هنا، تُصبح زيارة أحمد الشرع إلى الخليج مؤشراً على سعي النظام لاستعادة شرعيته دون تقديم تنازلات جوهرية، بينما قد تفرض الدول الداعمة له شروطاً مرتبطة بضمانات أمنية وتوازنات طائفية.
الخلاصة: نحو مرحلة انتقالية هشة
تُشير التحركات الأخيرة إلى أن المنطقة تدخل مرحلةً جديدةً من التفاوض حول سوريا، حيث تُعيد القوى الإقليمية حساباتها بناءً على أولويات اقتصادية وأمنية.
بينما تُحاول السعودية وإيران تجاوز التنافس المكلف، وتعمل قطر على تعزيز دورها الوسيط، قد تنجح هذه الجهود في تحقيق هدنة سياسية مؤقتة، لكن تحقيق استقرار دائم في سوريا يبقى رهناً بمعالجة ملفات شائكة مثل الاحتلالات الأجنبية، والمصالحة الداخلية، وإعادة الإعمار،ونبذ العنف الطائفي.
في هذا السياق، تظل تركيا طرفاً لا يُمكن تجاوزه، وإنْ اضطرت لمراجعة أدواتها في ظلّ تحالفات إقليمية مُتغيرة.