‎تواطؤ تاريخي: هل انتهى الشرع مبكرًا؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  



بعد قرابة الثلاثة أشهر على سقوط نظام الأسد وصعود أحم الشرع إلى السلطة، لا تزال سوريا تنتظر الدعم الذي وعدت به الدول الأوروبية ودول الخليج. الوعود التي كانت تبدو صلبة ومؤكدة تبخرت في الهواء، دون أي تفسير واضح. فهل تعرّض الشرع لخديعة سياسية كبرى، أم أن هناك مخططًا أعمق من مجرد تأخير بيروقراطي؟ إليكم أبرز النظريات التي تفسر ما يحدث:


1. سيناريو الفخّ المرسوم مسبقًا: "نظام جديد بوجه قديم"

‎ماذا لو كان الهدف منذ البداية هو إسقاط نظام الأسد، لا لإنقاذ سوريا، بل لإنتاج نسخة أخرى منه بوجه جديد، تتحكم فيه القوى الكبرى من الخلف؟
وفقًا لهذه الفرضية، فإن الدعم كان مجرد طُعم لإقناع الشرع وفريقه بأنهم سيحصلون على الشرعية الدولية، لكن في اللحظة الحاسمة، تم سحب البساط من تحته لإبقائه في حالة ضعف دائم. قد تكون هذه الخطوة تهدف إلى جعله أكثر خضوعًا للإملاءات الخارجية، بحيث لا يستطيع اتخاذ قرارات سيادية دون موافقة الجهات التي تملك مفاتيح التمويل.


2. الاتفاق السري بين القوى الكبرى: "إبقاء سوريا في حالة رمادية"

‎هناك نظرية أخرى تشير إلى وجود تفاهم خفي بين الولايات المتحدة، روسيا، ودول أخرى على إبقاء سوريا في وضع "غير مستقر ولكن غير منهار". هذا يضمن أن تبقى البلاد سوقًا مفتوحة للتدخلات الأجنبية، دون السماح لها بالنهوض الكامل، مما يضمن استمرار الاعتماد على المساعدات الخارجية وعدم تحوّلها إلى قوة إقليمية منافسة.


3. ابتزاز الشرع لتمرير أجندات خفية

‎قد يكون التأخير في الدعم جزءًا من عملية ضغط ممنهجة لإجبار الحكومة الجديدة على تقديم تنازلات لم تُعلن بعد. ربما هناك مطالب تتعلق بتطبيع سريع مع إسرائيل، منح امتيازات اقتصادية لدول معينة، أو حتى تقليص النفوذ الإيراني بطرق أكثر جذرية. عدم التزام الدول بوعودها قد يكون ببساطة وسيلة لجعل النظام الجديد يتوسل الدعم، وبالتالي يصبح أكثر طواعية للمصالح الخارجية.


4. هل تم خداع المعارضة لإسقاط الأسد فقط؟

‎ماذا لو لم يكن الهدف أبدًا دعم سوريا، بل فقط التخلص من الأسد؟ البعض يعتقد أن الدول التي دعمت التغيير كانت مهتمة فقط بإزاحة شخص بشار الأسد، وليس بإعادة بناء سوريا. وبعد تحقيق هذا الهدف، لم تعد هناك حاجة لضخ الأموال أو تحقيق الوعود، لأن سوريا بدون الأسد أصبحت واقعًا كافيًا لهم، بغض النظر عن مصير الشعب السوري أو الحكومة الجديدة.


5. التنافس بين الخليج وتركيا وإيران على مستقبل سوريا

‎سوريا كانت دائمًا ساحة صراع إقليمي، وأي تحرك مالي أو سياسي فيها لا بد أن يخضع لتوازنات دقيقة بين الخليج، تركيا، وإيران. تأخير الدعم قد يكون نتيجة لصراع كواليس بين هذه القوى حول شكل النظام الجديد، من سيكون حلفاؤه، وما إذا كان سيميل أكثر نحو الخليج أم سيسمح لتركيا بلعب دور أكبر، أو حتى ما إذا كان النفوذ الإيراني سيتقلص أم سيبقى مؤثرًا.


6. المشروع الغربي لإبقاء سوريا ساحة نفوذ طويلة الأمد

‎البعض يذهب إلى أبعد من ذلك ويعتقد أن الغرب لم يكن أبدًا جادًا في مساعدة سوريا على النهوض، بل كان يريد فقط تفكيكها ثم إبقائها تحت السيطرة عبر أزمات اقتصادية وأمنية متكررة. تأجيل المساعدات قد يكون مجرد خطوة في هذا السيناريو، بحيث تبقى سوريا معتمدة على الخارج، غير قادرة على استعادة سيادتها الحقيقية.


7. ماذا لو كان الشرع مجرد مرحلة انتقالية؟

‎هناك فرضية أخرى تقول إن أحمد الشرع ليس هو الرجل الذي تريد القوى الدولية أن يقود سوريا على المدى الطويل، بل هو مجرد مرحلة انتقالية يتم استنزافها حاليًا بوعود فارغة، حتى يصبح الوضع مهيئًا لشخصية أخرى أكثر توافقًا مع مصالح اللاعبين الكبار.


‎قد يكون التأخير متعمدًا لأن واشنطن لا تريد لسوريا أن تستقر بسرعة. الفوضى تمنحها القدرة على التدخل عند الحاجة، وتسمح لها باستخدام سوريا كأداة ضغط على روسيا وإيران وتركيا، بدلًا من السماح بوجود حكومة مستقلة فعلًا.


سوريا في انتظار "القرار النهائي

‎حتى الآن، لم تصدر أي دولة بيانًا رسميًا يفسر سبب هذا التباطؤ، مما يجعل كل السيناريوهات ممكنة. سواء كان الأمر مؤامرة متكاملة لإبقاء سوريا في حالة ضعف، أو مجرد تكتيك تفاوضي لانتزاع مكاسب سياسية، فإن النتيجة واحدة: الحكومة الجديدة تجد نفسها محاصرة بين وعود لم تُنفَّذ وضغوط دولية لم تُفكك بعد.

بالنسبة للغرب، لم يكن الأسد مجرد ديكتاتور يجب إزالته، بل كان يحمل شيئًا أخطر بكثير، شيئًا جعل القوى الكبرى تتفق على التخلص منه بأي ثمن. هل كان يعرف أسرارًا تهدد توازنات إقليمية؟ هل كان يملك ملفات تجعل سقوطه ضرورة حتمية بدلًا من مجرد خيار سياسي؟ لماذا لم يكتفوا بإضعافه بل أصرّوا على إزالته تمامًا؟ قد يكون الأسد امتلك معلومات حساسة حول شبكات نفوذ دولية، أو ربما تجاوز الخطوط الحمراء التي لم يكن مسموحًا له بعبورها. الأكيد أن إسقاطه لم يكن فقط لإنهاء نظامه، بل لإغلاق باب على شيء لا يريدون للعالم أن يراه.