الغاز والجيوسياسة
مستقبل سوريا بين أنابيب المصالح الدولية وغياب السيادة

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - خاص

نور محمد 

في خضم التفاوض الخفي بين القوى الإقليمية والدولية، تطفو على السطح معادلة معقدة تعيد تشكيل مستقبل سوريا بعيداً عن إرادة شعبها. فبينما تغفو الجماعات المحلية في سباتٍ طائفي، تحاك في الخارج صفقات استراتيجية تحدد مصير الأرض والسكان، حيث يتحول الغاز من مجرد مورد طاقوي إلى سلاح جيوسياسي يُحرك خيوط اللعبة.  


تتجلى هذه المعادلة في المفاوضات القطرية-الروسية حول مشروع أنبوب غاز يمر عبر الأراضي السورية، كرمزٍ لصراع النفوذ بين قوى خارجية تتنافس على رسم خريطة المنطقة. فالجهة القطرية، برؤيتها الاقتصادية التوسعية، تسعى لتحويل الأنبوب إلى جسرٍ للهيمنة، بينما تحاول روسيا – الحليف التقليدي لنظام دمشق – تحييد التهديد عبر تحويله إلى فرصةٍ للشراكة، أو ورقة تفاوضية في لعبة المصالح الآسيوية الأوسع.  


لكن المفارقة تكمن في غياب الطرف السوري عن طاولة هذه المفاوضات المصيرية، رغم أن الأرض والسكان هم الوقود الذي تُشعل عليه هذه الصفقات. فسوريا، التي يفترض أنها مركز الحدث، تتحول إلى مجرد "خريطة صماء" يُرسم فوقها خط الأنبوب، بينما يغيب أهلها عن فهم تداعياته، منغمسين في صراعاتٍ هوياتية تكرسها خطابيات إعلامية طائفية.  


هنا يبرز تناقض مرير: فبينما تُدار الملفات الكبرى بلغة المصالح الاقتصادية والحدود الجيوستراتيجية، يظل الوعي الجمعي للسوريين حبيسَ ثنائياتٍ مفتعلة، تختزل الصراع في إطارٍ مذهلي ضيق، وتلهي عن الأسئلة الحقيقية المتعلقة بالسيادة والثروات. فالمواطن الذي يفترض أن يكون صاحب القرار، يختزل إلى مجرد متفرج على لعبة المصالح، تاركاً مستقبله يباع ويشترى تحت مسميات "الشراكات الدولية"، بينما هو منشغلٌ بصراعاتٍ جانبية تُعمي بصيرته عن رؤية الخطر الحقيقي المار تحت أرضه.  


في هذا السياق، يصبح الغاز ليس مجرد أنبوب ينقل الطاقة، بل استعارة لقدرة القوى الخارجية على اختراق الحدود والوعي معاً. فخطوطه الطويلة التي تتجاوز المسافات الجغرافية ترمز أيضاً إلى هشاشة الوعي المحلي، الذي يفشل في ربط جوعه اليومي بصفقات الغد البعيدة.


 وهكذا تتحول سوريا من فاعل في التاريخ إلى رقعة على خريطة الآخرين، حيث تختزل كرامتها إلى رقم في معادلة اقتصادية، وتدفن أحلام شعبها تحت أنابيب باردة تنقل الدفء إلى عواصم العالم، تاركة إياهم في عتمة الحاضر وخواء المستقبل.