نبض سوريا - دراسة
تاريخ الشعب السوري مليء بالتناقضات والتعقيدات التي تعكس طبيعة الصراعات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة. من التهليل ليوسف العظمة إلى الترحيب بالفرنسيين، ثم تمجيد الشيخ صالح العلي، يظهر التاريخ السوري نمطًا متكررًا من الترحيب بالقادم وذم الراحل، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة، وبين الهوية الوطنية والقوى الخارجية.
يوسف العظمة: البطل الذي قاوم الغزو الفرنسي
في عام 1920، وقف يوسف العظمة، وزير الدفاع السوري، في مواجهة الجيش الفرنسي في معركة ميسلون. كان العظمة رمزًا للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وقد استشهد في المعركة التي خسرها السوريون أمام القوات الفرنسية المدججة بالسلاح. في تلك الفترة، كان الشعب السوري يهلل للعظمة كبطل قومي، مجسدًا روح المقاومة والرفض للاحتلال. ومع ذلك، سرعان ما تغيرت الأوضاع بعد دخول الفرنسيين إلى دمشق.
الترحيب بالفرنسيين: بين الخوف والاستسلام
بعد سقوط دمشق في أيدي الفرنسيين، تغيرت المشاعر الشعبية بشكل ملحوظ. فبعد التهليل ليوسف العظمة، بدأ بعض السوريون في الترحيب بالفرنسيين، إما خوفًا من بطشهم أو أملًا في تحقيق الاستقرار بعد سنوات من الفوضى التي أعقبت سقوط الدولة العثمانية. هذا التحول في المشاعر يعكس حالة من التردد والضعف في مواجهة القوى الخارجية، حيث كان البعض يرى في الفرنسيين قوة قادرة على إعادة النظام وإنهاء حالة الفوضى.
الشيخ صالح العلي: مقاومة الاستعمار من جبال اللاذقية
لم يكن كل السوريون راضين عن الوجود الفرنسي. ففي جبال اللاذقية، قاد الشيخ صالح العلي ثورة ضد الفرنسيين، مستلهمًا روح المقاومة التي جسدها يوسف العظمة. كانت ثورة الشيخ صالح العلي واحدة من أبرز حركات المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وقد حظي بدعم شعبي واسع في مناطق الساحل السوري. هنا، نرى كيف أن الشعب السوري، أو على الأقل جزءًا منه، عاد إلى تمجيد المقاومة والرفض للاحتلال.
النمط المتكرر: الترحيب بالقادم وذم الراحل
التاريخ السوري يظهر نمطًا متكررًا من الترحيب بالقادم وذم الراحل، سواء كان ذلك في عهد الاستعمار الفرنسي أو في فترات لاحقة. هذا النمط يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث يبحث الشعب عن قوة قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار، حتى لو كانت هذه القوة قادمة من الخارج. ومع ذلك، سرعان ما تتحول المشاعر إلى النقيض عندما تثبت هذه القوة عدم قدرتها على تحقيق تطلعات الشعب.
الخلاصة: بين الهوية الوطنية والصراعات الخارجية
تاريخ الشعب السوري هو تاريخ من الصراعات والتناقضات، حيث يتأرجح بين تمجيد الأبطال الوطنيين والترحيب بالقوى الخارجية. هذا التأرجح يعكس حالة من عدم الاستقرار والبحث الدائم عن هوية وطنية في ظل صراعات إقليمية ودولية. ومع ذلك، يبقى الشعب السوري شعبًا مقاومًا، قادرًا على إعادة تشكيل هويته ومواجهة التحديات، حتى في أحلك الظروف.
في النهاية، فإن دراسة تاريخ الشعب السوري تقدم لنا درسًا في التعقيدات السياسية والاجتماعية التي تواجهها الشعوب في ظل الصراعات الخارجية، وكيف يمكن لهذه الشعوب أن تبحث عن هويتها واستقلالها في خضم هذه التحديات.
دراسة فريق وكالة"نبض سوريا"