نبض سوريا - وائل المولى
التحولات الكبرى… والانفجار المؤجل
في قلب إقليمٍ يمر بالتحولات، من الخليج حتى شواطئ المتوسط، ومن طهران حتى واشنطن، يتبلور سؤال استراتيجي يكاد يفرض نفسه: إلى أين تتجه المنطقة؟ وهل ما نشهده من تصعيدات سياسية، عسكرية، واقتصادية هو مجرد فصول مؤقتة، أم بداية لزمن جديد تتبدّل فيه خرائط النفوذ، وتُعاد فيه صياغة الموازين؟
الجواب لا يكمن فقط في رصد المعارك الجارية – من الحرب الإسرائيلية ضد إيران، مرورًا بصعود قوى المقاومة اللامركزية، وحتى اشتعال الحروب الإعلامية والنفسية – بل في فهم الخلفية العميقة لهذه التطورات: المشروع الإسرائيلي المتجدد، والانكفاء الأمريكي المدروس، والتردد الأوروبي، والصعود الآسيوي.
مشروع إسرائيل: من الأمن إلى السيطرة
لم تعد إسرائيل تكتفي بما كانت تسميه "أمنها القومي"، بل انتقلت إلى صيغة جديدة تتحدث عن أمن المنطقة تحت هيمنتها. وهذا المشروع لم يعد مجرد خيال نخبوي، بل أصبح يُنفَّذ على مراحل:
ضرب إيران ومحاولة تقويض قوتها كقلب لمحور المقاومة.
إعادة تشكيل خريطة سوريا والعراق،
التطبيع الاقتصادي والعسكري مع الخليج، وبناء نظام ردع مشترك تحت المظلة الأمريكية.
التوسع في أفريقيا والبحر الأحمر عبر أدوات أمنية وتجارية.
العمل على إعادة اشعال الصراعات السنية – الشيعية لبناء تحالفات إقليمية تقطع الطريق على النفوذ الإيراني، والتركي، وحتى المصري.
لكن إسرائيل، في اندفاعها هذا، تغفل أو تتغافل عن أن كل توسع غير مستند إلى توازن حقيقي في الشرعية والقبول الشعبي، سيكون عرضةً للارتداد والانفجار.
تراجع الغرب… بحسابات معقدة
الولايات المتحدة لم تنسحب من المنطقة، بل أعادت تموضعها. أصبحت تقاتل عبر "الوكلاء الأقوياء": إسرائيل، الشركات الكبرى، قواعدها المنتقاة، والاقتصاد الموجه. أما أوروبا، فهي الغائب الحاضر؛ تعارض التطرف لكنها تتردد في لعب دور سياسي جاد.
في المقابل، تُطلّ الصين وروسيا كبدائل غير مكتملة. روسيا منشغلة بأزماتها، والصين تبني "نظاماً عالمياً صامتاً" يقوم على التجارة والنفوذ الاقتصادي لا الصدام المباشر.
مقاومة بلا مركز… ومحاور في طور التشكل
ما بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، لم يعد الرد مركزيًا. اليمن، العراق، غزة، وحتى جنوب لبنان، باتوا يشكلون بيئة ردع لا تعتمد على أوامر مركزية من طهران. هذه اللامركزية هي ما تخشاه إسرائيل، لأنها تجعل المواجهة غير قابلة للضبط.
في المقابل، تلوح مؤشرات على تشكل محور جديد، قوامه: إيران المُستهدفة، روسيا المُحاصرة، الصين الطامحة، واليمن ولبنان والعراق كجبهات ردّ صاعدة. فهل نحن أمام ولادة نظام إقليمي جديد؟ أم مجرد ردود فعل متفرقة على عنف المشروع الإسرائيلي؟
المنطقة إلى أين؟
1. إذا انتصرت إسرائيل واستكملت مشروعها في المنطقة : قد تدخل المنطقة في مرحلة "سلام بالإكراه"، تُفرض فيه الوقائع على الشعوب، وتُقمع فيه بؤر المقاومة. لكن هذا السلام سيكون هشًا، يعاني من التمرد تحت السطح.
2. إذا صمدت إيران في وجه التحديات واستمرت ديناميكية الردّ غير المركزي، فسنكون أمام مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف الكبرى، لن تنتهي بهدنة بل بتحول في ميزان القوى الإقليمي .
3. اقتصاديًا: المنطقة على أعتاب أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الحرب الأمريكية - الصينية والحرب الروسية - الأوكرانية وحروب اسرائيل في المنطقة
ولذلك دول الخليج نفسها قلقة من فوضى الأسواق، وزعزعة الاستقرار.
4. اجتماعيًا: ارتفاع معدلات الهجرة، احتقان الشارع، ضعف الثقة بالأنظمة، وصعود أصوات جديدة تطالب بإعادة التفكير بكل شيء… من السيادة إلى الهوية.
خاتمة: نحو أي شرق أوسط نتجه؟
الشرق الأوسط اليوم على مفترق طرق: إما أن يُعاد تشكيله من قبل اللاعبين الكبار ضمن صفقات فوقية، أو أن تُفرض إرادته من قبل الشعوب وقوى المقاومة التي تعلّمت كيف تُطيل عمر المعركة وتصنع أدواتها.
وما بين الحالتين، يبقى الصراع مفتوحًا… والوعي هو السلاح الأخير.