حرائق تلتهم الساحل السوري: نيران مدمّرة وتبنٍ إرهابي يثير الأسئلة*

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - عمر حمد

 

تستمر النيران في التهام الغابات الكثيفة على امتداد الساحل السوري، من ريف اللاذقية إلى طرطوس وبانياس، لليوم الثالث على التوالي، مخلّفة دماراً بيئياً هائلاً التهم حتى الآن آلاف الهكتارات من الأحراج الطبيعية، ومسببةً نزوحاً لسكان بعض القرى المتاخمة للغابات.

 

ورغم تأخر التحرك الرسمي، شهد اليوم الثالث تطوراً لافتاً مع دخول مروحيتين تركيتين إلى خط المواجهة مع الحرائق، في خطوة اعتُبرت متأخرة نسبياً، لكنها تحمل أبعاداً سياسية في ظل التوترات الإقليمية وإعادة رسم التحالفات في سوريا ما بعد الحرب.

 

"سرايا أنصار السنة" تتبنى: الإرهاب يضرب البيئة والطائفة معاً

 

في تطور خطير، أعلن تنظيم يُدعى "سرايا أنصار السنة"، وهو تنظيم سلفي جهادي إرهابي ناشئ، مسؤوليته الكاملة عن إشعال الحرائق في الساحل السوري، معتبراً إياها "عمليات جهادية ضد العلويين والسلطة   السورية الجديدة والفصائل  الحليفة له" المتمركزة في الساحل السوري ، على حد تعبيره.

هذا التنظيم لا يكتفي بالإرهاب البيئي، بل يرفع شعارات طائفية متطرفة، ويدعو بشكل صريح إلى القتل على الهوية والتطهير العرقي،وسبق وأن قام بعمليات اغتيال ووثقها ونشرها على وسائل التواصل  ما يجعله تهديداً مباشراً ليس فقط للوحدة الوطنية، بل للوجود الإنساني والبيئي في آنٍ واحد.

إن هذه العملية تمثل انتقالاً خطيراً إلى نمط "الحرب البيئية الطائفية"، حيث تُستخدم الطبيعة كأداة للترهيب، ويُستهدف النسيج المجتمعي السوري من خلال تدمير رموز الجغرافيا والهوية في آن واحد.

 

من يقف خلف "سرايا أنصار السنة"؟

"سرايا أنصار السنة" ليست مجرد مجموعة هامشية، بل يُشتبه بارتباطها بشبكات جهادية عابرة للحدود (أداة إستخباراتية 

 سبق أن نشطت في العراق ولبنان، وتستفيد من الفراغ الأمني والاضطراب السياسي في سوريا خلال مرحلة الانتقال ما بعد النظام السابق. توقيت تبنّيها لهذا الهجوم لا يمكن فصله عن محاولة ضرب رمزية الساحل السوري، واستفزاز الحكومة الجديدة في لحظة بناء حساسة.

 

لماذا الساحل؟ ولماذا الآن؟

 للساحل رمزية خاصة في الوعي السوري: هو خزّان بيئي ووطني، ومنطقة نفوذ تاريخية للنظام السابق. ضربه اليوم، في لحظة انتقال سياسي، يبدو وكأنه محاولة لخلط الأوراق وإرباك السلطة الجديدة، ودفعها نحو الاصطفاف الأمني والعسكري بدلًا من الانفتاح السياسي والإصلاحي.

 

أين تركيا من كل هذا؟

 

التحرك التركي المتأخر بإرسال مروحيتين لا يكفي لفصل أنقرة عن شبهات التواطؤ أو التجاهل، خاصة في ظل تقارير غير مؤكدة عن أن بعض الخلايا المتطرفة التي نفذت عمليات مشابهة تنشط في مناطق تركية حدودية، أو تمر عبرها.

لكن الأكيد أن تركيا، التي تدرك أن استمرار هذه الحرائق على حدودها الجنوبية يشكل تهديداً أمنياً بيئياً مباشراً لها أيضاً، مطالبة بموقف أكثر وضوحًا وجدية في مواجهة الإرهاب العابر للحدود.

 

مناشدة للمجتمع الدولي

نحن أمام جريمة مركبة: إرهاب وطائفي وبيئي. لذلك نناشد الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات البيئة الدولية، وجميع الدول الصديقة، إلى التدخل العاجل والمساعدة في إطفاء هذه الحرائق المدمرة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، والمساهمة في ملاحقة هذا التنظيم الإرهابي "سرايا أنصار السنة" بوصفه تهديدًا للسلم الإقليمي والبيئي.

 

يجب تصنيف هذه الجريمة كـ جريمة ضد الإنسانية، حيث تُستخدم الطبيعة أداة للقتل والتدمير، والسكّان المدنيون كأهداف في حرب لا أخلاقية.

في الخلاصة

ما يحدث في الساحل السوري ليس مجرد حرائق عابرة، بل هو إنذار مبكر لمرحلة جديدة من الصراع، حيث تتحول الغابات إلى ساحات حرب، وتُستخدم النار والرصاص معاَ ، والبيئة بدل الجغرافيا. والردّ يجب أن يكون شاملاً: أمنيًا، إنسانيًا، وبيئيًا، قبل أن تتمدد ألسنة النيران إلى عمق الدولة والمجتمع.