نبض سوريا - مقال
كتب الاقتصادي محمد صالح فتيح
ارتفع الدولار اليوم في أسواق دمشق بشكل مفاجئ وحاد، حيث قفز 2000 ليرة دفعة واحدة (بنسبة 25%) ليصل إلى ما بين 9700 و9800 ليرة سورية. هذا الارتفاع يأتي بعد انخفاض حاد أمس تجاوز 10% في يوم واحد، وهو ما أثار تساؤلات حول استقرار سعر الصرف ومدى استمرار لعبة المضاربة التي ترهق المواطن السوري وتزيد من معاناته.
الانخفاض الحاد أمس كان مؤشراً على اقتراب جولة المضاربة الحالية من نهايتها، خاصة مع انكشاف اللعبة وزيادة تململ الجمهور من هذه التقلبات التي لا تبدو طبيعية. لكن ما يزيد الطين بلة هو الصمت المطبق من الحكومة السورية والمصرف المركزي، الذي لا يزال يرفض شراء الدولار من الجمهور، ويرفض تعديل سعر الصرف المركزي، بل ويرفض حتى إطلاق أي تصريح رسمي يوضح ما يحدث في السوق.
لعبة قديمة تتكرر: المضاربة على حساب المواطن
المؤسف أكثر هو أن هذه اللعبة يمكن أن تتكرر في أي لحظة، سواء غداً أو حتى اليوم. فرفع سعر الصرف اليوم قد يجذب الجمهور لبيع ما لديه من دولارات، ثم يتم تخفيض السعر مرة أخرى ليحبط الجمهور ويضطره للبيع خشية عدم تكرر الفرصة. هذه لعبة قديمة للأسف، يتم استخدامها لاستنزاف المدخرات الصغيرة للأفراد والعائلات التي تعتمد على التحويلات المالية من الخارج.
نصيحة للأفراد والعائلات: الحفاظ على المدخرات
نصيحتي للأفراد والعائلات التي لا تملك سوى مدخرات محدودة وتحويلات من الدولار هي: لا تصرف النقد الأجنبي إلا بقدر حاجتك الحيوية. أي أن تصرف فقط ما يكفيك للبقاء على قيد الحياة. السيناريو المرجح لليرة السورية لا يزال هو الانخفاض، خاصة مع فتح الاستيراد الذي سيضع ضغوطاً إضافية على العملة المحلية.
الاستيراد: عبء حقيقي لم يظهر بعد
ما يحدث منذ سقوط النظام السوري ليس فتحاً حقيقياً للاستيراد. عشرات أو مئات الشاحنات التي تدخل يومياً من تركيا محملة ببضائع استهلاكية رخيصة (مواد غذائية في الغالب) هي مجرد "فاصلة عشرية" في حسابات الاستيراد بالنسبة لاقتصاد بلد مثل سورية. حمولة كل شاحنة لا تتجاوز بضع آلاف من الدولارات، والتكلفة اليومية لهذه الواردات لا تصل إلى مليون دولار.
العبء الحقيقي للاستيراد سيظهر مع بدء توريد المواد الأساسية مثل النفط والسكر والأرز والحديد والزيوت والكابلات والمعدات الثقيلة. فحاجة سورية اليومية من النفط لن تقل عن 15 مليون دولار، ناهيك عن فاتورة القمح والسكر والأرز وغيرها من المواد الغذائية الحيوية. فاتورة استيراد الشاي والقهوة والمتة وحدها تزيد على 140 مليون دولار سنوياً.
العبء الأكبر: ما لا نستطيع الاستغناء عنه
لتعرفوا حجم عبء الاستيراد الحقيقي، انظروا إلى ما تستهلكونه يومياً ولا تستطيعون الاستغناء عنه. البسكوت التركي لن يكون في قائمتكم. العبء الأكبر هو البضائع التي تخصص لها المستودعات الأضخم في البلاد، وليس ما ينتشر على "البسطات". هذه هي البضائع التي ستزيد من ضغوط العملة وتؤثر على استقرارها.
أزمات متكررة وصمت رسمي
لعبة المضاربة على الليرة السورية ليست جديدة، لكنها تتكرر بأشكال مختلفة، وتزداد حدتها مع صمت الحكومة والمصرف المركزي. المواطن السوري هو الضحية الأولى والأخيرة في هذه اللعبة، حيث يتم استنزاف مدخراته الصغيرة ويزداد فقره يوماً بعد يوم. في ظل هذه الظروف، لا بد من اتخاذ إجراءات جادة لوقف هذه المضاربة وحماية المواطن من التقلبات التي لا تبدو في مصلحته.