تسريح العمالة في القطاع العام: إصلاح اقتصادي أم أزمة اجتماعية؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - متابعة

 كتب الخبير الاقتصادي صالح فتيح :

أثارت دعوات تسريح العمالة في القطاع العام كجزء من الإصلاح الاقتصادي جدلًا واسعًا، حيث يُنظر إليها على أنها حل سريع لخفض النفقات، لكنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم تُراعَ التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية. وتقدم التجربة البولندية في تسعينيات القرن الماضي مثالًا واضحًا على ذلك.  


فقد شهدت بولندا بعد تطبيق الإصلاحات الاقتصادية ارتفاعًا حادًا في معدلات البطالة، حيث انخفضت نسبة العاملين من 65.3% في يونيو/حزيران 1989 إلى 56% فقط بحلول مايو/أيار 1998. وأدى تسريح العمالة في القطاع العام إلى انخفاض عدد العاملين فيه بنسبة 40%، بينما انخفضت العمالة في المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص بنسبة 60%. كما انكمش الاقتصاد البولندي بنسبة 20% خلال الفترة من 1989 إلى 1991، ولم يبدأ التعافي إلا في عام 1992 بنمو تراوح بين 3 و7% في السنوات التالية.  


لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تجنبت بولندا أزمة اجتماعية طاحنة رغم هذه التحديات؟ الإجابة تكمن في عاملين رئيسيين:  

تعويضات البطالة:التزمت الحكومة البولندية بتقديم تعويضات للعاطلين عن العمل الذين كانوا مستعدين للبحث عن وظائف جديدة، واستمرت هذه التعويضات لفترات تتراوح بين 12 و24 شهرًا حسب وضع الباحث عن العمل.  

برامج التدريب والتطوير: تم توفير برامج تدريبية مكثفة لرفع مهارات الباحثين عن العمل، وذلك بتمويل وإشراف أوروبي ضمن برنامج المساعدات الأوروبي "PHARE".  


في المقابل، تفتقر الحكومة السورية حاليًا إلى أي خطة لتقديم تعويضات بطالة أو برامج تدريبية مماثلة، مما يزيد من مخاطر تحول تسريح العمالة إلى أزمة اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد.  


وتظهر البيانات أن نسبة البطالة في بولندا وصلت إلى ذروتها في عام 2000 قبل أن تبدأ في الانخفاض التدريجي لتصل إلى 5% في السنوات الأخيرة. هذه التجربة تقدم درسًا مهمًا للحكومات التي تسعى إلى إصلاح اقتصادي دون إهمال الجانب الاجتماعي.  


(الصورة المرفقة: رسم بياني يوضح ارتفاع نسبة البطالة في بولندا ووصولها إلى الذروة في عام 2000 قبل أن تعود للانخفاض إلى 5% مؤخرًا).