السويداء الجريحة... والمشروع المنكسر على بواباتها

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - عبد الناصر حافظ

  

بوابة الجنوب: حلم لم يتحقق

منذ سقوط النظام السوري، لم تتوقف المحاولات لاختراق السويداء، تلك المدينة الجبلية المتحصنة بتاريخها، وشموخ أهلها، وإرادتهم الصلبة. كان العقل المدبر خلف تلك المحاولات يلبس كل مرة وجهًا مختلفًا، لكن الهدف ظل واحدًا: تطويع السويداء، وكسر قرارها، وإدخالها في مشاريع تصفية القضية السورية وتطبيع الإقليم.

 

الجولاني ومسرحية “الانتقام

قبل شهر ونصف، حاول أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة "، ومعه فصائل عربية وأجنبية، التسلل إلى قلب السويداء تحت عنوان “الانتقام للنبي محمد (ص)” ردًا على تسجيل صوتي مشبوه، لا أحد يعرف من فبركه ولا من نشره. لكن المحاولة لم تكن بريئة، ولا محلية. كان الهدف أعمق من ردّ فعل على إساءة: إسقاط المدينة، وتحويلها إلى ساحة تصفية حسابات، وكسر مناعتها المجتمعية.

 

السويداء مجددًا… وعود إلى المشروع ذاته

اليوم، يعود الجولاني بذات المشروع، ولكن هذه المرة في سياق إقليمي أشد خطورة. المشروع الذي تعثر سابقًا يعود مستندًا إلى رغبة أمريكية معلنة بإنهاء الحرب السورية عبر تسوية كبرى، تتضمن سلامًا سوريًا-إسرائيليًا. ولكن واشنطن، بحسب مصادر متقاطعة، لا تريد توقيع السلام من الاقليات ، بل من رئيس جديد "سني" يقود بلدًا متماسكًا ظاهريًا، ويمنح الاتفاق شرعية شكلية أمام الشعوب.

 

قمة باكو: ترتيب مشهد الغدر

في هذا السياق، انعقدت قمة باكو في الخفاء، برعاية جهات إقليمية ودولية، لترتيب المشهد السوري الجديد: تسويات في الشمال، تهدئة في الجنوب، تحييد السويداء، وتفكيك عقدة المقاومة في لبنان. لكن ما لم تحسبه القوى الراعية هو أن السويداء ليست مساحة جغرافية يمكن تسليمها كهدية، بل كيان حيّ، متمرّد، عصيّ على الترويض.

 

دماء السويداء تفضح المسرحية

ما جرى بعد دخول الفصائل المسلحة إلى السويداء، من قتل، ونهب، وإذلال، وحرق للمنازل والمحال، فضح المشروع برمته، وأسقط القناع عن "التحرير المزعوم". الفصائل المتعطشة للدم تحركت بلا ضوابط، لا شرعية، ولا أخلاق، وكأنها كانت تنتظر لحظة الانقضاض.

 

إسرائيل تتدخل... تحت ضغط درزي

ضغط الداخل الدرزي، خاصة في فلسطين المحتلة، كان عميقًا ومتصاعدًا. كثير من دروز الداخل أرسلوا رسائل احتجاج إلى حكومة نتنياهو، بل وبعضهم هدد بالتصعيد، ما دفع إسرائيل إلى التدخل لفرملة الفصائل، وإعادة حسابات كانت قد رُسمت على عجل.

 

الخلاصة: مشروع مكسور على أبواب الجبل

لم تنكسر السويداء، لكنها نزفت. لم تسقط، لكنها دفعت ثمن رفضها. وبين مشروع الجولاني، وصفقة السلام الأمريكية، وتواطؤ أطراف إقليمية، ظهرت حقيقة الجبل: هو ليس جزءًا من مزاد التسويات، ولا من خرائط التطبيع، ولا من مقصلة الثأر الطائفي.

 

ما جرى في السويداء ليس حدثًا محليًا... بل فصل مركزي من فصول مشروع دولي. لكن كما أسقط الجبل مشاريع الفرنسيين من قبل، ووقف بوجه الاستبداد القومي، ها هو اليوم، ينزف... لكنه لا يركع.