نبض سوريا - خاص
دمشق _ يتصاعد التوتر في العاصمة السورية دمشق على خلفية الإجراءات المثيرة للجدل التي يشرف عليها عناصر ما يُعرف بـ"الأمن العام" من أهالي مدينة قدسيا بحق سكان حي الورود المجاور. فبعد أيام من تنفيذ عملية إحصاء سكاني شاملة، تحوّل المشهد إلى ما يشبه أداة ضغط ووسيلة للتمييز الطائفي والإقصاء، وفق شهادات الأهالي.
من الإحصاء إلى التمييز
في البداية، انطلقت عملية الإحصاء بصورة رسمية تحت غطاء "توثيق بيانات السكان"، حيث طُلب من الأهالي إحضار بطاقات الهوية ودفاتر العائلة ووثائق السكن. ورغم الازدحام والفوضى التي رافقت العملية، حاول السكان التعامل معها باعتبارها إجراءً روتينياً. غير أن إدخال أسئلة وصفت بـ"الاستفزازية"، مثل تاريخ الخدمة العسكرية أو تفاصيل الحياة الشخصية، أثار حالة استياء واسعة.
ومع مرور الأيام، تصاعدت المخاوف بعدما تحولت العملية من تسجيل بسيط إلى خطوة أكثر خطورة: طلب صور شخصية من كل فرد ومنحهم أرقاماً وهوية خاصة مرتبطة بالحي. هذه الخطوة فسّرها السكان بأنها "ترقيم مقنّع" يهدف إلى فرزهم ومعرفة انتماءاتهم الطائفية، في وقت يعيش فيه السوريون حساسية مفرطة تجاه أي إجراء يمس خصوصيتهم أو هويتهم.
ذرائع وضغوط لإفراغ الحي
يقول عدد من أهالي حي الورود إن ما يجري ليس سوى محاولة من بعض الجهات النافذة في قدسيا لصناعة ذرائع تضغط على السكان وتجعل بقاءهم في الحي أمراً صعباً. أحد السكان وصف الخطوة قائلاً:
"إنهم يحاولون اختراع نظام هوية داخلية، كأننا لسنا مواطنين سوريين، بل مجرد أرقام مصنفة حسب الطائفة والانتماء. الهدف واضح: التضييق علينا لدفعنا إلى الرحيل."
ويرى آخرون أن فرض صور شخصية وهوية خاصة بالحي ليس مجرد "تنظيم إداري"، بل مشروع يفتح الباب لمراقبة دقيقة، وربما لاحقاً فرض قيود على الحركة أو الحصول على الخدمات.
ردود فعل غاضبة
الاستياء الشعبي تجلى في أحاديث الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصف الأهالي ما يجري بأنه "إهانة مزدوجة": أولاً لأن الأسلوب ينطوي على فرز طائفي خطير، وثانياً لأنه يثقل كاهل العائلات المرهقة اقتصادياً بطلب صور ومعاملات جديدة في وقت لا يجد فيه الكثيرون ثمن الخبز والدواء.
أحد الناشطين المحليين كتب: "في حي الورود يريدون تحويل السكان إلى ملفات وصور وأرقام. هل هذا إحصاء سكاني أم مشروع هندسة ديموغرافية؟"
سياق أوسع من التهميش
لا ينفصل ما يحدث في حي الورود عن سياسات أوسع يتبعها عناصر من "وزارة الدفاع" و"الأمن العام" وقادات الفصائل في مناطق أخرى بدمشق وحماة وحمص، حيث تحولت بعض الأحياء إلى مساحات محاصرة إدارياً وأمنياً، يجري التضييق فيها على السكان بذرائع شتى، من مخالفات البناء إلى حملات التدقيق الأمني.
ويحذر خبراء في الشأن السوري من أن الترقيم الجديد قد يكون خطوة أولى نحو عزل الحي عن محيطه أو إعادة تشكيل تركيبته السكانية، خصوصاً أن حي الورود يُعتبر بالإضافة إلى حي المزة خزان العلويين في العاصمة.
بين الصمت الرسمي وغضب الأهالي
حتى اللحظة، لم تصدر أي توضيحات رسمية من الجهات الحكومية حول دوافع فرض الصور والهوية الخاصة. في المقابل، يصرّ مسؤولو الإحصاء على أن الخطوة "تنظيمية"، لكن هذا التبرير لم يقنع السكان الذين يرون أن ما يجري يتجاوز حدود التوثيق ليصل إلى رسم ملامح "خريطة جديدة" للمنطقة.
وفي انتظار الأيام المقبلة، يبقى حي الورود نموذجاً آخر على كيفية استخدام الأدوات الإدارية – من الإحصاء إلى الترقيم – كوسائل ضغط سياسي واجتماعي، تزيد من تعقيد مشهد دمشق المأزوم أصلاً.