نبض سوريا - خاص
عشرة أشهر مرت على سقوط نظام الأسد، لم يعرف فيها الساحل السوري طعم الاستقرار ولا ملامح الدولة التي وعدت بها الحكومة الانتقالية، فالمشهد على الأرض لا يعكس سوى فوضى أمنية وميليشيات تتناوب السيطرة بينما يغيب القانون وتختفي الدولة التي زعمت قيامها خلف شعارات متعبة وصيحات مدنيين لا تجد من يسمعها.
مشهد فوضوي تتناوب عليه الوجوه القديمة التي خرجت من عباءة النظام لتعود بثياب جديدة وشعارات أكثر بريقا، تتحدث عن حماية الطائفة العلوية ومنع الفتنة، بينما في العمق يدور صراع على النفوذ والمكاسب السياسية.
في مقدمة هؤلاء، يبرز كمال حسن وخالد الأحمد وأيمن جابر، ثلاثة أسماء لطالما شكلت أذرعا خفية للنظام السابق، وعادت اليوم لتقدم نفسها كضامن لأمن الساحل، وصوتٍ معتدل للطائفة العلوية، لكن ما يجري خلف الكواليس يكشف أن هؤلاء لا يتحركون بدافع حماية أحد، بل يسعون لحجز مقعد مبكر على طاولة أي تسوية سياسية محتملة، ولو كان الثمن دماء أبناء الساحل أنفسهم.
فـكمال حسن، الذي بنى علاقاته على شبكة المصالح والابتزاز داخل الأجهزة الأمنية، يحاول اليوم الظهور بمظهر السياسي المتزن الذي يسعى لحماية أبناء الساحل بينما ينسّق في الخفاء مع شخصيات مالية لبناء نفوذ اقتصادي جديد في اللاذقية وطرطوس.
أما خالد الأحمد، العقل الرمادي المعروف بصلاته الواسعة داخل أجهزة المخابرات، فقد استشعر مبكرًا مؤشرات انهيار النظام في منتصف عام 2021، فبدأ بتمهيد الطريق أمام أبو محمد الجولاني بخطة محكمة، سعى من خلالها إلى تشكيل واجهة مدنية تضم شخصيات من الطائفة العلوية لتسويقها كممثلين عنها في أي عملية تفاوضية مقبلة، محاولًا تكرار النموذج السياسي الذي اعتمده النظام طوال سنوات الحرب.
ورغم قرب الأحمد من دوائر السلطة في دمشق، ووجوده في مايسمى لجنة السلم الأهلي فإنه يغيب تمامًا عن المشهد اليوم، متجاهلًا ما يتعرض له أبناء طائفته من انتهاكات وقتل وخطف وإهانات، وكأنه شريك بالصمت في المأساة التي يعيشها العلويون.
في حين يعود أيمن جابر، القائد السابق لميليشيا "صقور الصحراء"، بملامح مختلفة ظاهريا، لكن بذات المنهج الدموي الذي عرف به، جابر الذي راكم ثروته من تهريب النفط وبيع السلاح، يحاول اليوم إعادة التموضع بصفقة جديدة مقدّما نفسه كحام للعلويين من أي تمدد للفصائل عبر بيانات متتالية نشرها تحدث فيها عن تفاهمات روسية مع سلطة دمشق تهدف – بحسب زعمه – إلى "إنقاذ العلويين" و"ضمان أمن الساحل"، لكنه في الواقع يستخدم هذه الخطابات لتلميع صورته وتبييض ماضيه الدموي، مستغلًا مخاوف الناس لتأمين موقع سياسي واقتصادي جديد له في المرحلة المقبلة.
وبين ركام النظام القديم ومحاولات ترميم الولاءات المتصدعة، يبقى الساحل السوري ساحة تنافس.. لا رصاص في العلن بعد، لكن الصراع قائم في الكواليس: من يملك الشرعية لتمثيل الطائفة؟ ومن يحظى برضا دولي في مرحلة إعادة ترتيب السلطة؟.
وفي ظل هذه اللعبة، يعيش أبناء الساحل حالة مستمرة من الخوف والقلق، بينما يغيب أي حامي حقيقي عنهم، وتستمر الانتهاكات والخطف والاغتيالات دون رادع. الصراع على النفوذ مستمر في الكواليس، والشعارات لم تعد سوى وسيلة لإقناع المجتمع بأن هؤلاء الثلاثة هم من يحميه، في حين أن الحقيقة تكشف أن مصالحهم الشخصية هي التي تحدد مسار الأحداث، وأن مستقبل الساحل وأمن العلويين يبقى رهين هذه الحسابات.