نبض سوريا - خاص
لم يكن فجر هذا اليوم قد اكتمل بعد، حتى بدأت الأنباء تتوالى، وأصوات التشييع ترتفع من جبلة إلى حمص مروراً بحماة، حاملةً معها وجعاً جديداً يضاف إلى ذاكرة السوريين المثقلة بالمآسي.
دماءٌ جديدة سالت على أيدي من يفترض أنهم “يحفظون الأمن”، لتكشف من جديد حجم الفوضى التي تعصف بسوريا الخاضعة لما تسمّى بـ"حكومة الأمر الواقع".
في مشهدٍ مأساويٍ يعكس مدى الانفلات الأمني وغياب القانون، أقدم "الأمن العام" وميليشيات تابعة له على قتل أربعة مواطنين سوريين من المكونات العلوية والشيعية والمرشدية، في حوادث متفرقة خلال الساعات الماضية.
البداية كانت مع المهندس حيدر خير بك المنحدر من قرية عين شقاق في ريف جبلة، والذي أوقفه عناصر “الأمن العام” أثناء مروره على دراجته برفقة صديقه. وبعد أن سرقوا ما بحوزتهما من أموال، طالبوهما بالركوع أرضاً، لكن حيدر رفض الركوع إلا لله، فكان جزاؤه رصاصاتٍ غادرة اخترقت صدره وأنهت حياته على الفور.
وفي مشهدٍ آخر لا يقلّ وحشية، جابت سيارات الموت من نوع “سانتفيه” الفضية اللون – المعروفة تبعيتها لمن – شوارع القرى والمدن، تحصد الأرواح وتسلب الأرزاق في صورةٍ متكررة من الفوضى وغياب الدولة.
وفي ريف حمص، امتزجت دماء المهندس حيدر بدماء العاملين البسيطين حسن الحسن وحمزة حمود من المكون الشيعي، اللذين كانا يعملان في مدجنة بقرية البجر بحثاً عن لقمة عيشٍ شريفة. إلا أن العناصر ذاتها، بالزي ذاته واللثام ذاته، اعترضتهما وأردتهما قتيلين فقط لانتمائهما الطائفي.
المشهد المروّع تكرر أيضاً في ريف حماة الغربي مع المواطن أحمد تامر عبود من المكون المرشدي وأحد أبناء قرية الفريكة، إذ أطلق عناصر يرتدون زي "الأمن العام" ثمانية رصاصاتٍ على جسده، لتسكن روحه المكان وتغادر الحياة على الفور.
ولم تتوقف الجرائم عند القتل، إذ امتدت يد “الأمن العام” إلى النهب والسلب وقطع الطرق. فكما كانت حواجز “الفرقة الرابعة” في الأمس تفرغ نصف حمولة التجار، تكرّر اليوم المشهد ذاته بأسماءٍ جديدة.
فقد اعترضت عناصر “الأمن العام” المواطن نبيل النجار من المكون المسيحي في قرية صَدَد أثناء نقله حمولة زيتون، فقاموا بخطفه وربطه على الطريق المعروف بـ"مفرق الحُمُرات"، وسلبوا هاتفه وأمواله وسيارته من نوع "سوزوكي" مع الحمولة، ثم تركوه مكبلاً في العراء حتى عثر عليه أحد المارة وفكّ قيده ونقله إلى منزله.
سلسلةٌ متصاعدة من القتل والخطف والنهب تُمارس بحق أبناء الأقليات في سوريا، في محاولةٍ واضحة لتهجيرهم من أرضهم، وتغييبهم عن المشهد السوري، وسط صمتٍ رسمي ودوليٍ مريبٍ وتواطؤٍ مكشوفٍ من سلطة الأمر الواقع مع جهاته الأمنية التابعة لها.