نبض سوريا - متابعة
وصف الباحث الأكاديمي الدكتور يحيى العريضي زيارة رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الشرع إلى واشنطن بالسابقة التاريخية، من ناحية الترحيب بـ"إرهابي" وحصوله على دعم سياسي ودبلوماسي، ولو في حدوده الدنيا كما اعتبرها سابقة تاريخية بمعنى الانهيار وليس الإنجاز، وسابقة في إعادة تعريف مفهوم الشرعية على أنقاض مبدأ مكافحة الإرهاب.
وقال الباحث الأكاديمي في سلسلة منشورات على صفحته بـ"فيسبوك"، وتابعتها وكالة "نبض سوريا" إن "المسألة لا تتعلق برجل جرى استقباله في مؤسسة الحكم الأمريكية، بل بمنظومة قانونية وأخلاقية انهارت حين شرّعت الإرهاب وبررت الوسيلة بالغاية"، موضحاً أن "الإشكالية مرتبطة بعقلية اختزال الدولة بشخص واحد، وهي التي تحجب الأنظار عن ثمن استقبال الجولاني في البيت الأبيض".
وتابع العريضي، أن "قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2799، وبالرغم من متناقضاته، إلا أنه يمهّد الطريق أمام سيناريوهات التدخل الخارجي في سوريا، حيث تشكل هذه السيناريوهات الخطة (ب) في حال فشل الجولاني في تنفيذ ثمن تعويمه ودعمه سياسياً هذا القرار الذي يفتح المجال أمام تنفيذ أجندات الدول الخارجية، ويشرعن تدخلها في حال فشله بالقضاء على رفاق دربه ممن شاركوه مسيرة الإرهاب".
وأوضح الباحث السياسي أن "الولايات المتحدة وشركائها الذين طالبوا الجولاني بمحاربة رفاقه، وهم يعلمون أنه غير قادر على ذلك، والجولاني نفسه يعلم أنه غير قادر على محاربتهم، بالرغم من ذلك فهو يريد محاربتهم ليبقى في السلطة لكن واشنطن لم تعطِ أوامرها عبثاً، بل قامت بتأطيرها ضمن قرار من مجلس الأمن ليفتح أمامه سيناريوهات التدخل تحت ذريعة الأمن والسلم الدوليين، والخاسر الوحيد هو الجغرافية وما عليها، التي ستدفع ضريبة اقتتال بين آفات بشرية".
ورأى العريضي أنه "من المفترض أن يكون عنوان قرار مجلس الأمن رقم 2799 هو: "داوها بالتي كانت هي الداء" فمن فتح المجال أمام سلطة الإرهاب للوصول إلى الحكم كان يدرك أنه يحول سوريا إلى محرقة للتخلص من الإرهاب، ولكن بدل أن يعالج هذه المسألة عبر وسائل قانونية، اختار تسليط الإرهابيين على بعضهم البعض، وأتاح لهم الفرصة لتفتيت الروابط بين السوريين بعد صمته المريب عن المجازر التي ارتكبوها بحق الدروز والعلويين والأكراد والسنة، وهو بذلك "ضرب عصفورين بحجر واحد"،تمرير مشاريع التفتيت الجغرافي، ورسم خارطة جديدة للمنطقة، والقضاء على الإرهابيين بالوكالة".
وبين العريضي أنه "قد يظن البعض، دخول الجولاني إلى البيت الأبيض هو بمثابة صك غفران يطهّر سجله أو يبيّض صفحته"، مشيراً إلى أن "تلك المصافحة وذلك الدعم المشبع بحسابات المشاريع الاستراتيجية؛ لن يغسل عنه الدماء التي سفكها، ولن يبدّله من ذئب إلى حمل وديع".
وتابع أن "مجلس الأمن الدولي أداة للسياسات الاستراتيجية، ومشاريع اللاعبين الدوليين" مشيراً إلى أن المجلس، وفي ضمن العشرات من قراراته، يعتبر أن الإرهاب تهديد للأمن والسلم الدوليين، لكنه لم يشر أبداً إلى المسؤولية المباشرة للجولاني عن المجازر في الساحل والجنوب، ولم يُلزَم بأي تحقيقات عادلة أو شفافة بهذا الخصوص".
ولفت إلى أن "الجولاني ليس استثناءً، بل امتداد لمشروع الأسد ذاته، رحل الأسد، لكن من بقي من أدواته ينفذ اليوم تعليماته من وراء الستار، مدعوماً من قوى دولية ترى في الفوضى السورية فرصة تاريخية لإعادة رسم خرائط النفوذ".
واختتم الباحث أنه "بالرغم من تدخل المجالس الدولية، وكل الساسة الدوليين بمن فيهم ترمب، وتدفق كل الأموال الخليجية التي تُريد تعويم الجولاني وتثبيته في السلطة فذلك لا يغيّر شيئاً من حقيقة الدماء التي أُريقت فلا محكمة دبلوماسية قادرة على غسل اليدين من جريمة، ولا صفقة سياسية تستطيع زرع كتلة سرطانية في جسم سوريا".