إعادة تدوير السردية الرسمية…
كيف تسعى حكومة الشرع إلى تبرئة روسيا ؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  خاص 

في الأسابيع الأخيرة، تتكثّف محاولات حكومة الشرع لتعديل الرواية الرسمية حول أحداث ومجازر مفصلية في سوريا، عبر إلصاق كل الانتهاكات بالنظام السابق وحده، وتعمّد تبييض دور روسيا التي كانت شريكاً مباشراً في العمليات العسكرية منذ عام 2015.


هذا التحوّل في الخطاب ليس بريئاً ولا منفصلاً عن السياق السياسي الذي تمر به الحكومة الانتقالية ومساعيها لإعادة ترتيب علاقاتها الخارجية وفرض سردية جديدة على الحاضنة المؤيدة.


منشورات وتصريحات متعددة صادرة عن حكومة الشرع تُظهر توجها واضحا نحو إعادة كتابة الوقائع، وكأنّ السنوات الممتدة من التدخل الروسي وحتى اليوم لم تكن. في هذه المقاربة، يُصور النظام السابق باعتباره الجاني الأوحد، بينما تمحى من السجل العام عشرات المجازر الموثقة دولياً، والتي ثبت فيها أن القصف الروسي لعب الدور الحاسم في كثير من الهجمات على المدنيين، مثل الأتارب وخان شيخون وجسر الشغور وغيرها.


هذا التغيير ليس مجرد اختلاف في التقييم، بل محاولة منهجية لطمس الحقائق وإعادة تشكيل وعي الجمهور، خصوصاً داخل الحاضنة التي بدأت تُبدي حساسية أكبر تجاه حجم الجرائم الروسية المكشوفة.


تحاول حكومة الشرع اليوم ترميم علاقتها بموسكو التي تشكل أحد أبرز الداعمين السياسيين والعسكريين لها، وإن بصورة غير معلنة. لذلك، تفضل الحكومة الحالية تسويق رواية تُبعد المسؤولية عن روسيا، وتعيد تقديمها كقوة “شريكة في الحل”، رغم تورطها الواسع في قصف المدن وتهجير مئات آلاف السوريين.


التبرئة ليست فقط تلميعاً لصورة روسيا أمام الرأي العام، بل هي أيضاً انصياع مباشر لتوجيهات تصدر عن الحلفاء، الذين يصرّون على دفع الحكومة الانتقالية إلى إعادة صياغة الذاكرة الجمعية بما ينسجم مع مصالحهم ويخفف عنهم الأعباء القانونية والأخلاقية.


وفي الوقت الذي تُقدّم فيه الحكومة الانتقالية نفسها بوصفها “الممثل الشرعي للشعب السوري” القادر على فتح صفحة جديدة، تمضي في الاتجاه المعاكس تماماً. فبدلاً من مصالحة أبناء البلد الذين دفعوا أثمان الحرب ووجدوا أنفسهم في جبهات لم يختاروها، تُهرول الحكومة نحو تبرئة روسيا وغيرها من القوى الخارجية، وكأنّ الغريب أولى بالصفح من أهل الدار.


المفارقة الأكثر قسوة أنّ آلاف العسكريين لا يزالون يقبعون في السجون حتى اللحظة بلا تهمة واضحة، يُعامل هؤلاء كخصوم، بينما يُعامل الخارج الذي يملك سجلاً ثقيلاً من الدم السوري كشريك لا بد من مراعاته.


كيف يمكن لحكومة تدّعي تمثيل السوريين أن تسامح الغريب وتعاقب القريب؟ وكيف يمكن بناء مصالحة وطنية حقيقية بينما تُعاد كتابة التاريخ لخدمة التحالفات، وتُترك جراح الداخل بلا اعتراف ولا عدالة؟


إن ما يجري ليس مجرد خلل سياسي، بل انحراف خطير في بوصلات العدالة، يهدد بإعادة إنتاج المأساة نفسها تحت لافتة جديدة.