نبض سوريا - خاص
بقلم : عامر أبوحامد
في لحظة تتقاطع فيها التحولات الدولية مع إعادة رسم النفوذ في الشرق الأوسط ، تتقدّم الصين نحو مقاربة أكثر براغماتية في الملف السوري. فبكين، التي تراقب المشهد بزخم اقتصادي لا عسكري، تحرّكها ثلاثة دوافع رئيسية: تأمين مسار مستقر لمبادرة الحزام والطريق بما يضمن الوصول المباشر إلى أوروبا عبر المتوسط، احتواء خطر الجماعات المتشددة وعلى رأسها الإيغور، وتوظيف الساحة السورية كورقة تفاوضية مع واشنطن لتفادي أي مواجهة غير محسوبة بين مشروعها التنموي والطريق الأميركي–الهندي البديل.
في المقابل، تبدو الحكومة السورية الانتقالية أكثر انفتاحاً على بناء شراكة استراتيجية مع بكين، إدراكاً منها أن الصين هي القوة الكبرى الوحيدة القادرة على العمل خارج ضغوط الغرب، وأن دعمها يمكن أن يوفّر لدمشق ما تحتاجه في مرحلة ما قبل إعادة الإعمار وما يليها.
ترى بكين في سوريا نقطة العبور الأكثر فاعلية بين طرق «الحزام»، نظراً لقصر المسافة وانخفاض التكاليف مقارنة بالمسارات الأخرى التي تتطلب تجاوز تضاريس صعبة كمرتفعات الأناضول أو سيناء. كما أن الممر السوري، إذا استقر، قادر على تقليص زمن الوصول إلى أوروبا إلى أقل من يومين، وهو عامل حاسم لاقتصاد صيني يسابق الوقت أمام تحديات التضخم وتباطؤ الأسواق ... غير أن الوجود الأميركي في الجغرافيا السورية يعقّد الحسابات، ما يدفع الصين إلى بناء حضور تدريجي _اقتصادي وسياسي _ قد يبدأ باستثمارات صغيرة أو خطوط ائتمان محدودة، لكنه يبقي الباب مفتوحاً لدور أكبر دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
أما من جهة دمشق، فتعتبر الحكومة الانتقالية أن الصين شريك قادر على كسر العزلة الدبلوماسية، خصوصاً بعد امتناع بكين في مجلس الأمن عن التصويت على رفع العقوبات عن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ووزير داخليته ، كان ذلك الامتناع إشارة واضحة : الصين تريد تفاهماً شاملاً قبل أي دعم سياسي كامل ، لذلك تضع الحكومة أولوية لفتح باب القروض والاستثمارات الصينية، بما يتيح إطلاق مشاريع البنية التحتية الأساسية_من الكهرباء إلى المرافئ والصناعات التحويلية_ وهي مشاريع لا يمكن أن تنطلق دون التمويل الصيني السريع والأقل كلفة.
ويعلم صانعو القرار في دمشق أن الاقتصاد السوري، تاريخياً، مرتبط بالصين: من خطوط الإنتاج الخفيفة والمتوسطة إلى التجهيزات التقنية التي شكّلت العمود الفقري للصناعة السورية قبل الحرب... إعادة تشغيل هذا الترابط ليست ترفاً بل ضرورة ، لذا تسعى الحكومة إلى إعادة ربط المصانع المدمّرة بالتكنولوجيا الصينية الحديثة لإحياء دورة إنتاج متكاملة.
وفي الموازاة، تعمل دمشق على طمأنة الصين في ملف الجماعات المتشددة، خصوصاً أن بكين أبدت قلقاً من إمكان توظيف الإيغور مستقبلاً في صراعات الإقليم. هذا التعاون الأمني يُعد جزءاً من بناء علاقة أعمق ترى فيها الصين دولة تعمل عبر المؤسسات، وترى فيها الحكومة الانتقالية طريقاً لتعزيز الثقة الصينية ودفعها نحو أدوار سياسية أوسع.
في المحصلة، يلتقي الطرفان على أرضية مشتركة: الصين تسعى إلى نافذة آمنة على المتوسط، والحكومة الانتقالية تبحث عن شريك قادر على التمويل والنفوذ الدولي. ومع تقدّم المسار السياسي، قد يتحول هذا التقارب إلى أحد أهم محاور الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة _ تقارب يربط اقتصاداً يبحث عن منفذ ، ودولة تبحث عن إعادة البناء.