نبض سوريا - متابعة
كشف الباحث والخبير الاقتصادي السوري الدكتور عمّار اليوسف أن الواقع المعيشي في سوريا ما يزال يشهد تدهوراً متسارعاً، مؤكداً أن نسبة السوريين الواقعين تحت خط الفقر المدقع ارتفعت خلال الأشهر الماضية، وأن البلاد لم تستقبل حتى اللحظة أي استثمار حقيقي رغم إعلان الحكومة عن عدد كبير من مذكرات التفاهم.
وأوضح الخبير في لقاء على منصة إعلامية أن "الوضع الاقتصادي لم يتغير منذ سقوط النظام السابق وتسلّم السلطة الانتقالية، بل ازداد سوءًا، لافتًا إلى أن ارتفاع الأسعار بين 20% و25% خلال الفترة الأخيرة جعل الأسر السورية غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية، حيث لا يتجاوز دخل معظم العائلات مئة دولار شهريا".
وأشار إلى أن "القرارات الأخيرة الخاصة برفع أسعار الكهرباء بنسبة تجاوزت 200% أثّرت بشكل كبير على المواطنين"، مبيناً أن "الفاتورة الدنيا — رغم أنها لا تشمل سوى استهلاك محدود مثل البراد والغسالة — تصل اليوم إلى ما بين 30 و40 دولارًا، وهو ما يشكّل عبئًا كبيرًا على رواتب الموظفين الذين لا تكفي أجورهم سوى لعدة أيام من المصاريف الأساسية".
كما لفت إلى أن "قطاع الاتصالات شهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المكالمات والباقة الشهرية، موضحًا أن غالبية السوريين يعتمدون على الإنترنت كوسيلة ترفيه وتواصل، ما يجعل هذا الارتفاع ضربة إضافية للوضع الاجتماعي".
وفي رد على سؤال المقدم حول الأسباب الحقيقية لاستمرار الأزمة الاقتصادية، أجاب الخبير بأن "العقوبات الدولية ما تزال قائمة، وأن الحديث عن رفع بعضها غير دقيق، إذ لا توجد حتى الآن بنوك تضمن عمليات التحويل المالي بين سوريا والخارج، ما يجعل الاقتصاد السوري معزولًا بالكامل عن النظام المالي العالمي".
وأضاف أن "السوق السورية ما تزال هشة للغاية، بحيث إن ضخ 10 ملايين دولار فقط أو سحبها يمكن أن يرفع أو يخفض سعر الصرف مئات الليرات دفعة واحدة، وهذا يعكس غياب أي استقرار أو قدرة على ضبط السوق. وبيّن أن سعر الصرف الحالي — نحو 12 ألف ليرة للدولار — غير مرتبط بالقوة الشرائية الحقيقية، وأن القيمة الواقعية استنادًا إلى سلة الغذاء تتراوح بين 22 و23 ألف ليرة".
وتحدث يوسف عن سياسة "حبس السيولة" في البنوك، حيث لا يمكن للمواطن سحب أكثر من 500 ألف ليرة أسبوعيا، أو ما يعادل 50 دولارا للحسابات بالدولار، معتبرًا أن هذا الإجراء وإن حافظ على سعر الصرف مؤقتًا، فإنه دمّر الثقة بالقطاع المصرفي ودفع الاقتصاد إلى الجمود".
وفي ما يخص الاستثمارات التي أعلنت عنها الحكومة، قال الخبير إن "السوريين لم يلمسوا أي نتائج ملموسة حتى الآن، وإن خزينة الدولة لم يدخلها دولار واحد من هذه المشاريع، باستثناء عقد استثمار مرفأ طرطوس".
وأكد أن "بقية العقود ما تزال مجرد مذكرات نوايا لا يمكن تنفيذها في ظل العقوبات وغياب البيئة التشريعية واللوجستية".
وتطرّق إلى مشروع استثمار المطار الذي قيل إنه سيوفر 90 ألف فرصة عمل، واصفًا الرقم بأنه مبالغ فيه وغير منطقي، مرجحاً أن "تكون الجهات المعنية قد احتسبت حتى سائقي سيارات الأجرة ضمن فرص العمل".
وحول الجهات التي تدير القرار الاقتصادي اليوم، أشار إلى أنه "لا توجد رؤية واضحة"، وأن ما يسمى “اللجنة الاقتصادية في القصر” غير فعّال كما ينبغي، موضحًا أن الاقتصاد السوري يسير “بردّات الفعل” وليس وفق خطط مدروسة.
كما نفى الخبير وجود أي دلائل حقيقية على سيطرة أشخاص بعينهم أو مجموعات محددة على الاقتصاد، مثل ما يُشاع عن “أبو ماريا الأسترالي” أو شقيق الرئيس، مؤكدًا أن "الواقع الاقتصادي اليوم لا يسمح أصلًا بوجود نفوذ مالي حقيقي لأي جهة".
وأكّد يوسف أن "حملات التبرع لا يمكن أن تُبني عليها عملية إعادة إعمار"، مشددًا على أن "سوريا تحتاج إلى نحو تريليون وثلاثمئة مليار دولار لإعادة بناء اقتصادها وبُناها التحتية"، وأن "هذه العملية لن تبدأ دون استعادة الموارد الوطنية أو حصول البلاد على دعم خارجي ضخم، وهو ما قد يرتبط بتنازلات سياسية “مؤلمة”، على حدّ وصفه".
وفي ختام حديثه، قال الخبير إن "المجتمع السوري اليوم مقسوم بشكل واضح: 1% فقط من ذوي الدخل المرتفع، و99% يعيشون تحت خط الفقر بدرجات متفاوتة"، معتبرا أن "استمرار غياب رؤية اقتصادية واضحة سيجعل الوضع أكثر تعقيدًا في الأشهر المقبلة".