نبض سوريا - دمشق
لم تعد المقاربة الغربية تجاه سوريا قائمة على التفاؤل الحذر بقدرة سلطة الشرع على ضبط الفصائل وإعادة إنتاج دولة قابلة للحياة فالمعطيات الميدانية، كما تنقلها قناة الحرة عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، تُظهر بوضوح أن الرهان على قدرة الشرع في السيطرة على المشهد لم يعد يحظى بالإجماع داخل دوائر القرار الغربي.
المسؤول الأميركي أشار إلى أن بعض مراكز الأبحاث افترضت سابقًا أن الشرع قادر على احتواء الفصائل وفرض انضباطها، غير أن الوقائع على الأرض تسير في الاتجاه المعاكس؛ فبقايا تنظيم داعش وتفرعات من هيئة تحرير الشام تُبدي سخطا متزايدا، معتبرة أن القيادة الحالية ذهبت بعيدا في الاعتدال وهو ما يرفع منسوب المخاطر الأمنية ويهدد بتفكك داخلي صامت لكنه عميق.
هذا التقييم يتقاطع مع ما نشرته لوموند حول فشل بنيوي في بناء جيش وطني جامع، وهيمنة تركيبة فئوية على المؤسسة العسكرية، وغياب مكونات دينية وعرقية أساسية عن مواقع القرار.
في نظر العواصم الأوروبية، هذه ليست مجرد اختلالات انتقالية، بل مؤشرات على إعادة إنتاج نموذج إقصائي يحمل بذور عدم الاستقرار طويل الأمد.
التحذير الأميركي الأوروبي اليوم لم يعد محصورا في مسألة التطرّف داخل الأجهزة الأمنية، بل في اتجاه البلاد ككل فبدل التماسك، ثمّة خشية حقيقية من أن سوريا تسير نحو مزيد من التفكك، حيث تتنازع الفصائل النفوذ، وتضعف المركزية، ويتحول الاعتدال المعلن إلى عامل استقطاب سلبي داخل البيئة الجهادية نفسها.
في هذا السياق، يكتسب تحذير السيناتور ليندسي غراهام دلالة مضاعفة، إذ ربط بين أي محاولة دعم غربي وبين ضرورة الحذر الشديد، في ظل أدلة متزايدة على تطرّف داخل قوات الأمن، وسلوكيات أيديولوجية لا تنسجم مع مفهوم الدولة الوطنية.
الأخطر أن هذا المشهد المتشظي يتزامن مع تحركات لافتة لخلايا تنظيم داعش في توقيت بالغ الحساسية، عودة التنظيم إلى النشاط لا تبدو معزولة عن حالة التململ داخل الفصائل، ولا عن ضعف السيطرة المركزية وعليه فإن هذا بالنسبة للغرب يعتبر إشارة إنذار: كل فراغ أو صراع داخلي هو فرصة ذهبية للتنظيمات المتطرفة لإعادة التموضع.
التحول الغربي تجاه سوريا لم يحسم بعد، لكنه بات أكثر تشددا وواقعية، وفرضية أن «الشرع» قادر على ضبط الفصائل تنهار تدريجيا أمام الوقائع، ومعها يتراجع هامش المناورة السياسية ما لم تُتخذ خطوات حقيقية لتفكيك البنى المتطرفة، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس وطنية جامعة، فإن سوريا، في نظر واشنطن وأوروبا، لن تكون على طريق الاستقرار بل على حافة تفكك أخطر من الماضي.