نبض سوريا - متابعة
كشفت صحيفة سويدية، في قراءة نقدية بعد مرور عام على سقوط حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، أن سوريا لم تنتقل إلى مرحلة السلام والازدهار وحرية التعبير كما رُوِّج لها، بل شهدت، وفق توصيف الصحيفة، استبدال الديكتاتورية السياسية بسلطة ذات طابع ديني مطلق، تكرّس حكم الغلبة وتستمد شرعيتها من الخطاب الديني لا من الإرادة الشعبية.
وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة «بيولتي» السويدية، تساءل الكاتب عمّا إذا كانت سوريا، بعد عام على دخول أبو محمد الجولاني إلى دمشق، والذي بات يُقدَّم رسميا باسم أحمد الشرع، قد تحولت فعلاً إلى نموذج لـ"الديمقراطية الإسلامية الكاملة"، أم أن المشهد كان إعادة إنتاج لنمط حكم تاريخي قائم على القوة والشرعية الدينية.
وأشارت الصحيفة إلى أن دخول الجولاني ورفاقه من «هيئة تحرير الشام» إلى دمشق لم يكن حدثا عفوياً أو ثورياً خالصا، بل جاء، بحسب المقال، نتيجة ترتيبات دولية وإقليمية واضحة، جرى لاحقا تسويقها بوصفها «انتقالًا سياسيًا». واعتبرت أن الذكرى السنوية لسقوط النظام لم تُعد الكاتب عامًا واحدًا إلى الوراء، بل أعادته قرونًا إلى الخلف، إلى منطق الدولة الأموية، حيث الحكم بالغلبة، والشرعية بالسيف، والطاعة المستمدة من السماء لا من الناس.
وأكدت الصحيفة أن اختيار المسجد الأموي لإطلالة أحمد الشرع لم يكن صدفة، إذ ظهر للمرة الأولى عقب دخول دمشق، ثم عاد بعد عام ليحتفل من المكان ذاته، مرتدياً الزي العسكري، بعد صلاة الفجر، مقدّمًا نفسه بصفته "الرئيس السوري الانتقالي"، ومطلقًا عبارته: «أيها السوريون، أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم».
وأوضح المقال أن هذه العبارة، في خطاب الحركات الإسلامية، لا تُفهم بوصفها موعظة دينية، بل إعلانا صريحا عن نموذج «الحاكم المتغلّب»، حيث تُقدَّم الطاعة كفريضة دينية، وتُصوَّر مساءلة الحاكم على أنها خروج على الشرع.
وتطرقت الصحيفة إلى العروض العسكرية التي نفذها ما سُمّي «الجيش السوري الجديد» في شوارع دمشق، معتبرة أنه في جوهره تشكيل ميليشياوي أُعيدت تسميته، مشيرة إلى أن الهتافات التي رُدّدت لم تكن احتفالية بقدر ما كانت تأسيسية، عكست هوية المشروع والعدو المفترض، ومن بينها شعارات دينية وقتالية ذات دلالات أيديولوجية واضحة.
ولفت المقال بشكل خاص إلى شعار «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود»، معتبرًا أنه ليس مجرد هتاف عابر، بل استدعاء صريح لغزوة خيبر في الوعي القتالي الإسلامي، بما يحمله من رسائل إقصائية وسياسية وأمنية، خاصة عندما يُردّد داخل جيش يُفترض أنه نظامي وبحضور رأس السلطة.
وتساءل الكاتب: أي دولة يمكن أن تُبنى على هذا الأساس؟ ليجيب بأن ملامحها تبدأ من الإعلان الدستوري الذي صاغته لجنة اختارها أحمد الشرع، والذي، وفق الصحيفة، أقصى مفهومي المواطنة والديمقراطية، ونصّ على أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع دون تحديد مدرسة فقهية، ما يفتح الباب أمام هيمنة التأويل السلفي الجهادي، إضافة إلى اشتراط أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا، في إقصاء صريح لغير المسلمين وتقويض لمبدأ المساواة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأخطر من النصوص الدستورية هو تركّز السلطة بيد شخص واحد، إذ يجمع أحمد الشرع بين مناصب متعددة، تشمل رئاسة المرحلة الانتقالية، وقيادة الجيش والقوات المسلحة، ورئاسة مجلس الأمن القومي، وحق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وتسمية الهيئة التي تعيّن بدورها ثلثًا آخر، فضلًا عن رئاسته لهيئات استثمارية وإشرافه على تطوير المناهج التعليمية والصندوق السيادي وهيئة المنافذ البرية والبحرية. واعتبرت الصحيفة أن هذا الحجم من الصلاحيات لم يجمعه حاكم سوري واحد من قبل، في إشارة_، ساخرة إلى أنه لم يتبقَّ سوى إضافة «يحيي ويُميت» إلى صلاحياته.
وفي سياق آخر، تحدث المقال عن أوضاع الأقليات في ظل السلطة الجديدة، مشيرا إلى أن العلويين تعرضوا لمجازر انتقامية في الساحل، وأن المسيحيين واجهوا حرق كنائس ونزوحًا قسريًا، فيما حُوصِر الدروز بين السلاح والتهميش، وتعرّض الإيزيديون لانتهاكات جديدة، وعوقب الشيعة على أساس الهوية، معتبرًا أن صفحة الاستبداد لم تُطوَ، بل أُعيد فتحها بمرجعية دينية.
وحول احتمالات تغير أحمد الشرع، نقل الكاتب عن حواره مع الإعلامية كريستيان أمانبور على شبكة CNN أنه لم يتبرأ من ماضيه مع تنظيم القاعدة، بل شكك في مفهوم «الإرهاب» نفسه، في خطاب رأت الصحيفة أنه أقرب إلى الاعتزاز منه إلى المراجعة. ورغم ذلك، أشارت إلى أن الولايات المتحدة رفعت تصنيف «هيئة تحرير الشام» كمنظمة إرهابية في يوليو 2025، قبل أن يُشطب اسم الشرع من قوائم الإرهاب الدولية بقرار من مجلس الأمن في نوفمبر من العام نفسه، ضمن مسار تطبيع سياسي متسارع.
واختتم الكاتب مقاله بالقول إن من أخطاء الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الكبرى، يكررها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذاتها اليوم مع أحمد الشرع، الذي يحظى بدعم واسع من السعودية وقطر وتركيا، وهي دول وصفها المقال بأنها تحمل أجندات إسلامية عابرة للحدود تستحق قراءة مستقلة.
وختمت الصحيفة بالتحذير من أن بذور استبداد ديني جديد تُزرع في سوريا تحت شعار «الاستقرار»، معتبرة أن هذا النمط من الحكم قد يكون أكثر فتكًا من سابقه، إذ يتحول الحاكم من خيار سياسي قابل للمحاسبة إلى "قدر إلهي"، لتبقى الأسئلة مفتوحة حول من يملك الجرأة على الوقوف في وجه سلطة جرى تصنيعها على هذا النحو.