شحنة الأوراق النقدية من روسيا: لماذا أصبحت العملة السورية عبئاً اقتصادياً؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - متابعة

كتب الخبير الاقتصادي محمد صالح فتيح في تحليل لخبر طائرة الأوراق النقدية القادمة من روسيا: 


جذور المشكلة: من الجسور الجوية السوفيتية إلى طباعة النقد  

خلال حرب 1973، نفذ الاتحاد السوفيتي جسراً جوياً لنقل 12,500 إلى 15,000 طن من الأسلحة إلى سوريا ومصر عبر 900 رحلة جوية. اليوم، تتداول أنباء عن "جسر جوي" روسي جديد، لكن هذه المرة لنقل أوراق نقدية سورية مُطبوعة في روسيا بقيمة 60 تريليون ليرة. فما مدى مصداقية هذه الأنباء؟ وما علاقتها بأزمة العملة السورية؟  


 الأرقام تكشف التناقض: بين سعة الطائرات وقيمة الأوراق  

1 سيناريو الطائرة الواحدة 

   - أكبر طائرة نقل روسية (Antonov-124) تستطيع حمل 150 مليون ورقة نقدية (فئة 5,000 ليرة).  

   - القيمة الإجمالية: 750 مليار ليرة (أقل من 1% من الرقم المذكور).  

   - التكلفة: 6 ملايين دولار لطباعتها، أي ما يعادل 10% من قيمتها بالدولار!  


3 سيناريو جسر جوي 


   - لتحقيق 60 تريليون ليرة (فئة 5,000)، يُحتاج إلى 12 مليار ورقة نقدية (12,000 طن).  

   - يتطلب ذلك 80 رحلة جوية (بسعة 150 طن للرحلة)، وهو ما يعادل حجم الجسر الجوي السوفيتي عام 1973.  

   - التكلفة: 480 مليون دولار (أكثر من 10% من قيمة النقد المُطبَّع).  


3 سيناريو الفئات الكبيرة  

   - لو طُبعت فئة مليون ليرة، ستكون الشحنة 60 مليون ورقة (60 طناً).  

   - حتى هنا، قيمتها الفعلية بالدولار أقل من 100 مليون دولار، بينما تكلفة طباعتها 2.4 مليون دولار فقط.  


4 سيناريو تفنيد الخبر   

   - التناقض في الأرقام وطريقة تسريب الخبر تُشككان في صحته، خاصة مع عدم وجود آلية لضخ هذا الكم الهائل دون تفجير التضخم.  


 العملة السورية: تكلفة الطباعة تفوق قيمتها!  

معضلة تاريخية : ورقة الـ5,000 ليرة اليوم تساوي أقل من دولار، بينما كانت ورقة الـ500 ليرة (عام 1958) تُعادل 225 دولاراً.  

واقع مر: حجم النقد المتداول حالياً (130-140 تريليون ليرة) يعادل 10 مليارات دولار، أي 20% فقط من قيمته قبل 2011.  

 - الحلول الترقيعية: طباعة النقد ليست حلاً، بل تُفاقم الأزمة. فتكلفة الطباعة تلتهم جزءاً كبيراً من القيمة الاسمية للأوراق.  


الخلاصة: اقتصاد منهار يحتاج إلى أكثر من "ورقة"  

مشكلة العملة السورية ليست سوى عرض لانهيار اقتصادي أعمق، يتطلب إصلاحاً هيكلياً يشمل:  

 - وقف الاعتماد على طباعة النقد كحل سحري.  

 - معالجة الفساد وهدر الموارد.  

 - استعادة الثقة بالنظام المصرفي.  

بدون ذلك، ستستمر "الأحلام الوردية" مثل شحنة الـ60 تريليون في إلهاء السوريين عن الجذور الحقيقية للأزمة.