نبض سوريا - خاص
"مشهد يومي في الأسواق السورية، زحام يخفي خلفه معاناةً صامتة، هنا، حيث تتصارع نظرات الأهالي مع أسعار ترتفع كسلم لا يُرى سقفه، بينما تتراجع القدرة على اللحاق بها. غلاءٌ يفرض على المواطنين حذف أطباق من موائدهم، وتغيير عاداتٍ ظلت لسنوات جزءاً من تقاليد الشهر الكريم."
"رمضان هذا العام جاء مختلفاً. فزيادة الطلب على المواد الغذائية، التي اعتادت الأسر تخزينها، تحوّلت إلى معادلة صعبة: كيف تشتري ما يكفي لسد الجوع دون أن تُفلس؟ الأسعار لا تقفز لكن الدخل غير موجود ، والخيارات تضيق: إما الاكتفاء بالقليل، أو الاستغناء عن الأطباق التي توارثتها الأجيال."
"البائعون أنفسهم يحكون القصة ذاتها. فمحاصيل مثل الفاصولياء والبازلاء، التي كانت في رمضان متاحة، أصبحت رفاهية. حتى صحن الفتوش، رمز المائدة السورية، تحوّل إلى عبء مالي لعائلة مكونة من أربعة أفراد".
"ولم يقتصر الأمر على متطلبات رمضان، فمع اقتراب عيد الفطر، تظهر ملامح أزمة أخرى: محال الألبسة التي يُفترض أن تشهد ازدحاماً، تعيش أسوأ أيامها. الملابس صارت من الكماليات، والأولوية الآن للقوت اليومي. حتى العمال في هذه المحال باتوا تحت تهديد التسريح، بسبب ركود لم تشهده البلاد من قبل."
"خلف هذه الأزمة أسبابٌ متشابكة، توقف استيراد المواد الخام، وارتفاع تكاليف النقل. كلها عوامل دفعت عشرات المعامل إلى غلق أبوابها، تاركةً عائلات بلا مصدر رزق.
"السوق المحلي يعتمد الآن على بضائع مستوردة بأسعار خيالية، أو بضائع محلية تُباع بأسعار لا تناسب جيوب الغالبية."
"في ظل هذا الواقع، يلجأ السوريون إلى حلول بديلة. البسطات العشوائية على الأرصفة أصبحت ملاذاً لمن لا يجدون في محال المدينة ما يناسب دخولهم. لكن هذه الحلول ليست سوى مسكن مؤقت لأزمةٍ هيكلية تتفاقم يومياً."
"الأمل لا يزال موجوداً... فبعض المزارعين يتوقعون تحسناً مع تحسن الطقس وزيادة المحاصيل، لكن السؤال الذي ينتظر إجابة: هل سيصل هذا التحسن إلى المواطن العادي قبل أن تفرغ جعبته تماماً؟"
"في الشارع السوري، باتت المعادلة بسيطة: إما أن تأكل أو تُطعم أولادك. غلاءٌ لا يرحم، ودخلٌ لا يكفي، وحلولٌ تذوب كالملح في الماء، الوضع قد لا يحتمل انتظار الحلول التقليدية، لكن السوريين، كما عودونا، يصنعون من القهر صبراً، ومن الجوع إرادةً للعيش".