نبض سوريا - متابعة
أوضحت أحداثٌ متتالية تناقضًا صارخًا بين خطاب "سيادة القانون" الذي ترفعه سلطات الأمر الواقع في المناطق الخاضعة لها، وبين الممارسات الميدانية التي تُكرّس إفلات العناصر المقربة من العقاب، حتى عند ارتكابهم انتهاكات جسيمة بحق مؤسسات الدولة وأفرادها.
فبعد ساعاتٍ فقط من اعتقال "عبيدة طحان"، رئيس قسم الصالحين في حلب، بسبب اعتدائه على القاضي "أحمد حسكل" أثناء تأدية مهامه الرسمية، خرج الأخير من السجن بحسب شهود عيان، وسط احتفالاتٍ وتهاليلَ أثارت استهجان الأوساط القضائية والمجتمعية.
وأشار محامون وقضاة إلى أن الحادثة لم تكن سابقةً في استهداف جهاز القضاء، حيث سبق أن تعرض قضاةٌ آخرون لاعتداءاتٍ مماثلة، بل ووصل الأمر إلى قتل ثلاثة قضاة عقاريين في حماة نهاية العام الماضي، دون أن تحرك السلطات ساكنًا للتحقيق أو محاسبة الجناة.
وبين ناشطون حقوقيون أن الإفراج السريع عن "طحان" يُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويفتح الباب أمام تصاعد الانتهاكات، خاصةً مع تزايد تدخلات الأسماء النافذة و"الوساطات" لتبرئة العناصر المُقربة من السلطة.
ونوّهت مصادر قضائية إلى أن القضية أُغلقت تحت ذرائعٍ واهية، مثل اعتبار فترة الاحتجاز القصيرة "تكفيرًا" عن الجريمة، فيما يرى مراقبون أن الأمر يعكس عجزًا حقيقيا في فرض هيبة الدولة، ويكرس مبدأ "من يحرر يقرر" بشكل مطلق.
من جهته، أشار رئيس السلطة الانتقالية "أحمد الشرع" في تصريحات سابقة إلى التزام حكومته بمبادئ المحاسبة والعدالة، لكن الوقائع على الأرض تُظهر خلاف ذلك، حيث تتحول القضايا الجنائية إلى ملفات سياسية تحلّ في الأروقة المغلقة، بعيدًا عن القضاء.
ويرى ناشطون مدنيون وحقوقيون أنه وفي ظل غياب المحاسبة، تتحول العدالة إلى أداة بيد النفوذ، ويبقى المواطن العادي ضحية لحلقة الإفلات الممتدة، مما يطرح تساؤلاتٍ مصيرية عن إمكانية بناء دولةٍ حقيقية دون عدالةٍ تُحترم!