نبض سوريا - وائل مولى
حين يعيد التاريخ نفسه... ولكن بصيغة أكثر دمارًا من يتأمل في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الراهنة، بكل تفرعاتها النووية والجيوسياسية والإيديولوجية، لا يمكنه أن يتجاهل صدى التاريخ وهو يطرق أبواب الحاضر. فهذه ليست مجرد مواجهة عسكرية بين خصمين إقليميين، بل هي حربٌ تحمل في داخلها شيفرة نظام دولي يترنح، ومحاور تتصادم على جغرافيا ملتهبة، وقوى كبرى تحشد أوراقها لكتابة ما بعد الحرب. لكن أيّ لحظةٍ تاريخية يمكن إسقاطها على هذا الصراع؟ وأيّ حادثة كبرى تشبه في عمقها هذا الاشتعال؟
الحرب العالمية الأولى: شبح "سراييفو" في طهران لم تكن الحرب العالمية الأولى وليدة الاغتيال في سراييفو، كما أن هذه الحرب لم تولد فقط من المشروع النووي الإيراني. تلك الحرب اندلعت لأن العالم كان يغلي، والحرب الحالية تتفجر لأن الشرق الأوسط لم يعد يحتمل الصراع البارد. أوجه التشابه الصادمة:
1. نقطة التفجير الصغيرة، والنيران الكبرى: اغتيال ولي عهد النمسا فجّر حريق أوروبا. اغتيالات علماء النووي في طهران، والضربات المجهولة على منشآت عسكرية، فجّرت صراعًا إقليميًا بات مفتوحًا على العالم.
2. نظام التحالفات المتشابك: الحلفاء ودول المركز، تمامًا كما لدينا اليوم محور المقاومة (إيران، حزب الله، اليمن، العراق...) مقابل محور واشنطن-تل أبيب-لندن ومعهم نُخب الخليج. أيّ خطوة خاطئة قد تفتح جبهات من اليمن إلى الجولان، ومن كربلاء إلى البحرين.
3. سقوط الإمبراطوريات وإعادة ترسيم الخرائط: بعد 1918، انتهت الإمبراطوريات وظهرت خرائط جديدة. اليوم، تترنّح أنظمة ونُخب، وربما تُرسم خرائط جديدة للدولة الإيرانية، أو للمنطقة الخليجية، أو حتى لإسرائيل نفسها.
4. اللاعبون الصغار في مهبّ اللاعبين الكبار: في الحرب العالمية، كانت دولٌ كصربيا أو بلجيكا ساحة للصراع. اليوم، تصبح سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان ميادين اشتباكٍ مفتوحة، فيها يُقرَّر مصير الصراع لا من داخلها، بل من العواصم الكبرى. العدوان الثلاثي على مصر (1956): كسر الإرادة قبل تدمير السلاح قد يكون الوجه الآخر لهذا الإسقاط التاريخي هو "العدوان الثلاثي" على مصر. في ذاك الزمن، لم يكن الهدف فقط قناة السويس، بل إرغام جمال عبد الناصر على الانكسار، لأنه تجرأ على كسر المعادلة الغربية في المنطقة. واليوم، تسعى إسرائيل ومعها أميركا وبريطانيا إلى كسر "النسخة الشيعية" من الناصرية الجديدة، المتمثلة بإيران ومشروعها التوسّعي والمقاوم. لكن في الحالتين، الغرب فوجئ بأن "المعركة ليست تقنية بل حضارية".
درس التاريخ: الحروب الكبرى لا تبقى محلية الحرب الإيرانية الإسرائيلية لن تبقى في حدود البحر الأحمر ولا الخليج. تمامًا كما لم تبق الحرب العالمية في سراييفو. الشرارة يمكن أن تولّد إعصارًا. والاصطفاف العالمي اليوم – من الصين إلى روسيا، ومن أوروبا إلى تركيا وباكستان – قد يحوّل هذه الحرب إلى نقطة تحوّل عالمية، سياسيًا واقتصاديًا وعقائديًا.
خاتمة: هل نحن أمام "سراييفو جديدة"؟ إذا كانت سراييفو هي المذبحة التي فتحت بوابة الحرب الأولى، فقد تكون منشآت أصفهان أو حيفا أو ديمونا هي الجمر الذي يشعل حربًا لن تُخمد قريبًا. المواجهة بين إسرائيل وإيران ليست نهاية حقبة فقط، بل ربما بداية نظام عالمي جديد يولد من رحم الانفجار. وكما قيل قديمًا:
"الحرب تبدأ حين يعجز السياسيون عن فهم التاريخ".