سوريا ما بعد الأسد: انهيار مدبّر أم خطوة في رقعة شطرنج أكبر؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  متابعة 

في لحظة بدت وكأنها خروج عن النص المتوقّع، سقط نظام بشار الأسد، ليس بانقلاب داخلي ولا بثورة شعبية خالصة، بل عبر سلسلة تحوّلات غامضة تكشّفت على مراحل، كما لو أن هناك من خطّط لها منذ زمن بعيد، متريّثًا حتى تهيأت الظروف المثالية لضربة قاضية.


لكن، إذا كان الجميع يسأل "كيف سقط الأسد؟"، فإن السؤال الأكثر إثارة هو: "لماذا الآن؟ ولمصلحة من؟".


*مسرح العمليات: أين اختفى الحلفاء؟*

قبل عامٍ واحد فقط، كان النظام السوري يبدو مترسّخًا في مكانه. دعم روسيٌّ متين، غطاء إيرانيٌّ عميق، وضوءٌ أخضر ضمني من قوى غربية كانت تتظاهر برفضه علنًا بينما تفاوضه سرًا. كيف تبدّد هذا الحصن فجأة؟


مصادر من داخل الأروقة الدبلوماسية تتحدّث عن مقايضات لم تُعلن، عن تفاهمات سرّية جرت في موسكو وطهران وواشنطن، حيث تمّت "مساومة الأسد" على طاولة أكبر مما يتخيّلها البعض. تقاطع المصالح الدولية والإقليمية أوحى بأن استمراره بات مكلفًا أكثر من سقوطه.


روسيا، التي بدت حتى اللحظة الأخيرة حامية للنظام، انسحبت بصمت، كأنها تلقّت ضماناتٍ كافية لحماية مصالحها الحيوية في الساحل السوري دون الحاجة إلى الأسد نفسه. إيران، التي لطالما استثمرت في دمشق كقاعدة نفوذها الإقليمية، بدأت ترى فيه عبئًا أكثر منه ورقة رابحة، خاصةً بعد الضغوط الأمريكية-الإسرائيلية المتزايدة عليها في المنطقة.


لكن المفاجأة الكبرى؟ اتفاق غير معلن بين قوى غربية وخليجية على تأمين انسحاب آمن لبعض الشخصيات الرئيسية في النظام مقابل تسليم السلطة دون حرب شاملة، وفق نموذج مشابه لما حدث في السودان عند إزاحة البشير.


*ما وراء الكواليس: من خطّط لهذا الانهيار الهادئ؟*

إذا كان الأسد قد سقط دون ضربة عسكرية كبيرة، فمن الذي أدار هذا الانقلاب البارد؟


مصادر استخباراتية سربت تقارير عن اختراقات كبيرة داخل بنية النظام منذ أكثر من عامين. شخصيات رئيسية داخل أجهزة الأمن والعسكر كانت تتعاون مع جهات خارجية لتسهيل الانتقال التدريجي للسلطة، بينما كانت تظاهِر الولاء للأسد حتى اللحظة الأخيرة. بعض هؤلاء كانوا "نائمين" منذ سنوات، تم تحريكهم في التوقيت المناسب.


وفي المقابل، ظهرت أسماء جديدة بشكل مفاجئ على الساحة السورية، شخصيات لم يكن لها ثقل كبير في الماضي لكنها برزت كقادة انتقاليين، ما يشير إلى أن "البديل" كان جاهزًا منذ مدة، بانتظار الفرصة المناسبة للدخول إلى المشهد.


*الجغرافيا السياسية: أي سوريا ستولد من الركام؟*

سوريا ما بعد الأسد ليست كما قبلها، ليس فقط على المستوى السياسي بل على مستوى الخرائط نفسها.


إعادة ترسيم مناطق النفوذ: الحديث يدور عن مقايضات إقليمية تشمل ترتيبات غير معلنة بين تركيا وإيران وروسيا، وربما حتى إسرائيل، لضمان "استقرار ما بعد الأسد".

تفكيك البنية الأمنية القديمة: هناك ضغوط لتفكيك الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها بشكل يضمن عدم عودة النظام القديم بأي شكل، وهو ما يبدو مأخوذًا من السيناريو العراقي بعد سقوط صدام حسين، لكن مع تعديلات ذكية تمنع الفوضى المطلقة.

من سيدفع فاتورة إعادة الإعمار؟شركات غربية وخليجية بدأت بالفعل تحرّكات في الكواليس لعقد صفقات إعادة الإعمار، مما يطرح السؤال: هل كان إسقاط الأسد شرطًا مسبقًا لإطلاق عجلة الاقتصاد السوري تحت رعاية دولية جديدة؟

*هل كان سقوط الأسد حتميًا أم مخطّطًا له؟*

القراءة السطحية تقول إن الاحتجاجات، التدهور الاقتصادي، والصراعات الداخلية أدّت إلى انهيار النظام. لكن القراءة العميقة تشير إلى أن التوقيت، الطريقة، والترتيبات اللاحقة تُظهر أن هناك أطرافًا دولية كانت تنتظر اللحظة المثالية للضغط على "زر التفكيك"، تمامًا كما حدث مع أنظمة أخرى في المنطقة حينما انتهى دورها في الحسابات الكبرى.


في النهاية، السؤال الذي يبقى بلا إجابة واضحة: هل كان الأسد مجرد دمية في لعبة أكبر، أم أنه أُسقِط لأنه توقّف عن لعب الدور المطلوب منه؟