تحليل سياسي: خطاب الشرع في الأمم المتحدة.. عدالة نيويورك تصطدم بواقع الجوع والاعتقال في سوريا

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  متابعة

بقلم: المحلل السياسي عدي عبدالله


في مشهدٍ يختزل مفارقة الوضع السوري، وقف الرئيس الانتقالي أحمد الشرع على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعلن أن سوريا "تكتب فصلاً مشرقاً"، بينما كان السوريون في الداخل يكتبون فصولاً من المعاناة اليومية على طول الجغرافيا السورية. فبينما تدوي كلمة "العدالة" عشر مرات في الخطاب الأممي، تترجم الأحداث على الأرض معنى مختلفاً تماماً للكلمة.


أزمة الخبز.. عدالة المعدة الفارغة


في اليوم ذاته الذي ألقى فيه الشرع خطابه، استيقظ أهالي السويداء على أزمة طحين جديدة، توقفت على إثرها الأفران عن العمل، فيما لم تكن الشحنة الإسعافية كافية إلا لأيام قليلة. المحافظة التي تحتاج إلى 120 طناً يومياً لا تحصل سوى على نصف حاجتها، ما يدفع المواطنين إلى طوابير طويلة وأسعار مضاعفة في السوق السوداء.


رئيس لجنة الإغاثة في السويداء فادي الشعراني يؤكد أن أزمة المازوت تعرقل عمل المخابز، محذراً من تهديد الأمن الغذائي. المشهد لا يتوقف عند حدود الجوع، بل يمتد إلى كسر العقد الاجتماعي وتآكل التضامن الأهلي تحت وطأة الفقر.


السلم الأهلي على حافة الهاوية


بينما يتحدث الخطاب الرسمي عن "ضمان السلم الأهلي"، يشهد ريف حماة تصعيداً خطيراً بعد حادثة اغتصاب روان التي تحولت من جريمة فردية إلى شرارة للغضب المسلح. عمليات الخطف والهجمات المسلحة والملاحقات الأمنية تعيد إحياء مخاوف العودة إلى دوامة العنف، فيما تكتفي الحكومة بإرسال تعزيزات أمنية من دون محاسبة حقيقية.


اعتقال الذاكرة.. العدالة التي تسكت شهودها


سقطت شعارات "العدالة الانتقالية" عملياً مع اعتقال الصحافي والحقوقي عامر مطر عند معبر الجديدة، بعد أيام فقط من افتتاحه متحفاً لتوثيق تاريخ الاعتقال السوري. الحادثة ليست معزولة، بل تتزامن مع اعتداءات متكررة على صحافيين وناشطين، في مؤشر على أن الفضاء العام مازال مقيداً بأدوات القمع التقليدية.


هوة بين خطاب المنابر وواقع الميدان


الفجوة بين صورة سوريا في قاعة الأمم المتحدة وحياة السوريين اليومية تصل إلى حد التراجيديا اليونانية. فبينما يُلقى خطاب الانتصار على المنبر الدولي، تواصل الجوقة السورية بحثها عن رغيف الخبز ولتر الوقود وحدود الأمان. المفارقة تكمن في أن العدالة التي تُطرح في نيويورك تفقد معناها عندما يفقد الإنسان حقه الأساسي في العيش بكرامة.


تبقى الحكاية السورية حكاية تهيج فيها المشاعر حقاً، لكنها تختلط فيها بلاغة الخطابات بمرارة الواقع، وتذوب فيها وعود العدالة في بوتقة الجوع والخوف والانتظار.