نبض سوريا - خاص
في عالم السياسة، لا وجود للعواطف أو الصداقات الدائمة. فالمصالح هي التي تحدد الاتجاهات، والرهان على حليفٍ أبدي أو عدوٍّ أزلي ضربٌ من الوهم. هذا المبدأ وحده كافٍ للإجابة عن السؤال الذي يردّده كثيرون اليوم: هل خانت روسيا سوريا مرتين؟
منذ بدايات الأزمة السورية، كانت موسكو الظهير الأقوى لبشار الأسد، من الفيتو في مجلس الأمن إلى طائرات السوخوي في سماء المدن السورية. لكنّ المشهد تبدّل. فروسيا التي كانت تُقدّم نفسها كدرع سياسي وعسكري للنظام، باتت اليوم تجلس إلى الطاولة ذاتها مع خصوم الأمس، وتفتح قنواتها العلنية مع أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام" سابقا ورئيس المرحلة الانتقاليةفي سوريا حاليا .
التحوّل الروسي لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة اتفاقية رباعية — روسية تركية أميركية إسرائيلية — لا تزال تفاصيلها غامضة، لكنها كانت كفيلة بإقصاء بشار الأسد عن المشهد.
تلك الاتفاقية التي وُصفت في الكواليس بأنها سلّمت مفاتيح القصر الجمهوري إلى من صدّره الإعلام كـ"فاتح ٍومحرر ٍ لدمشق".
وفي المقابل، حمل لقاء موسكو الأخير مع "السلطة المؤقتة" مؤشرات عميقة على مرحلة سياسية جديدة، تناولت ملفاتٍ حساسة: القواعد العسكرية الروسية، مصير المعتقلين والمغيبين، ومستقبل الجيش السوري السابق.
إلا أنّ اللافت في الاجتماعات كان غياب ملف "تسليم بشار الأسد"، إذ يبدو أن موسكو لا تزال تعتبره ورقة استراتيجية لا يمكن التفريط بها، ليس بدافعٍ إنساني بل كأداة نفوذ في المعادلة الإقليمية والدولية.
حديث أحمد الشرع مع بوتين حمل إشارات لا تخفى على المراقبين. فحين قال "الدرج طويل لكننا وصلنا بلا تعب"، كانت العبارة أشبه بـ غمزة سياسية تعبّر عن شكرٍ مبطّن للدور الروسي، وتدل على أن الوصول إلى السلطة لم يكن نتيجة جهدٍ ذاتي، بل ثمرة تفاهمات ٍ دولية متشابكة.
اليوم، يعمل الشرع وفريقه، وفق مصادر مطلعة، بدعم تركي واضح للحفاظ على بنية الحكم في سوريا، بينما تُترك المأساة على الأرض — من أزماتٍ إنسانية وانقسامٍ مجتمعي — خارج دوائر الاهتمام. فالساحة السورية تتجه بخطى متسارعة نحو تقسيم ٍ فعلي أو فيدرالياتٍ متعددة، والعالم يتعامل معها كـ طبقٍ من ذهب يتقاسمه اللاعبون الإقليميون والدوليون.
من هذا المنطلق، إن كانت روسيا قد "خانَت" الأسد مرة حين أدارَت ظهرها له، فقد خانت الشعب السوري مرتين: الأولى عندما دعمت آلة الحرب والمجازر، والثانية حين وضعت يدها في يد من انقلب على من معه ومن عليه، لتكرّس واقعاً سياسياً يائساً يفتقر لأي أفقٍ للخلاص.
ومع تصاعد الغضب الشعبي ورفض الفصائل المسلحة لزيارة الشرع لموسكو، تتزايد التساؤلات بين السوريين:
إلى أين تتجه سوريا؟