بعد انتفاضة الساحل..
سوريا على مفترق طرق: اكتمال لوحة الرفض الداخلي وإشكاليات الشرعية

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - خاص

بعد انتفاضة الساحل الأخيرة، يبدو المشهد السوري قد وصل إلى نقطة تحول فارقة. لم تكن هذه الانتفاضة مجرد احتجاج عابر، بل علامة فاصلة في مسار تراجع الشرعية لحكومة أحمد الشرع الانتقالية، مما يضع المجتمع الدولي أمام تحديات جديدة في تقييم تعامله مع الأزمة السورية.


تطور الرفض الداخلي: من الجبل إلى الساحل


جبل الدروز: الصفعة الأولى

شكل موقف جبل الدروز الضربة الأولى لشرعية الحكومة الانتقالية،عندما رفض مشايخ الجبل أي حوار معها ووصفوها بـ"حكومة الإرهاب". هذا الموقف حمل وزناً خاصاً في الدوائر الدولية، نظراً لسمعة المكون الدرزي بالتوازن والحيادة النسبية في الصراع السوري.


المكون الكردي: مخاوف متجددة


ظل المكون الكردي،لاعباً أساسياً في المعادلة السورية، ينتظر تنفيذ بنود اتفاق "إذار" لعشرة أشهر دون جدوى. هذا الإخفاق في الوفاء بالوعود عزز قناعة الإدارة الذاتية الكردية بأن التعامل مع هذه الحكومة غير مجدٍ، وأنها غير قادرة على إنتاج شراكة حقيقية.


انتفاضة الساحل: اكتمال الدائرة


مثلت انتفاضة الساحل المؤشر الأكثر أهمية،حيث كسرت آخر رواية اعتمدت عليها الحكومة لتقديم نفسها كسلطة تحظى بحاضنة في مناطق الأقليات.

 خروج الأهالي ضد ممارسات الحكومة وملفات القتل والتجاوزات، أغلق دائرة الرفض الداخلي وأظهر أن الساحل لم يعد صامتاً.


المخاوف من التحول الديني وتأثيراتها


شبح الحكم الديني

مع تصاعد الأحداث،تجددت المخاوف من أن الحكومة تنحاز وتتبنى حكم ديني أو إيديولوجي محدد. هذه المخاوف تعزز شعور الأقليات بأنها غير ممثلة فعلياً، وأن التوازن الوطني مهدد، خاصة بعد أحداث الساحل التي أظهرت هشاشة الحماية القانونية والاجتماعية للمجتمعات الأقلية.


أزمة الثقة المتصاعدة

حتى الداعمون السابقون للحكومة بدأوا يفقدون الثقة،كما توضح إحدى التحليلات: "حتى أولئك الذين وافقوا على الشرع في البداية فقدوا الثقة به بعد أحداث العنف الأخيرة". هذا التراجع في الدعم الداخلي يخلق بيئة خصبة لإعادة التقييم الدولي.


السيناريو الدولي المحتمل: مقارنات تاريخية


نموذج محمد مرسي: هل يتكرر؟

يتساءل مراقبون عما إذا كان الغرب سيتجه إلى خيار مشابه لما حدث في مصر عام 2013،حين قرر أن مصالح الاستقرار تتقدّم على بقاء سلطة لم تعد تعبّر عن الشارع. في تلك التجربة، تدخل الجيش المصري بدعم شعبي وإقليمي لإزاحة الرئيس مرسي بعد احتجاجات شعبية واسعة.


العوامل المشتركة والاختلافات

 أوجه الشبه: تراجع الشرعية الشعبية، مخاوف من حكم ديني، قلق دولي من عدم الاستقرار.

 أوجه الاختلاف: السياق السوري أكثر تعقيداً بسبب التعددية الطائفية والتدخلات الإقليمية والدولية المتشابكة.


سياقات تاريخية مشابهة

ليست هذه المرة الأولى التي يراجع فيها الغرب دعمه لحكومات إسلامية.ففي تجربة الجزائر التسعينيات، ساند الغرب إلغاء الانتخابات بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مقدماً استقرار النظام على الشرعية الديمقراطية.


الخيارات المستقبلية: بين العدالة والانهيار


تواجه الحكومة الانتقالية اختباراً مزدوجاً: داخلياً مع رفض المكونات والأقليات، وخارجياً مع الشكوك الدولية حول قدرتها على إدارة مرحلة انتقالية عادلة ومستقرة. الخيارات المتاحة أصبحت محدودة:

من إثبات الجدية في الإصلاح: عبر العدالة والمساءلة وتضمين جميع المكونات، إلى مواجهة الانهيار الكامل للشرعية: مع ما يعنيه ذلك من عواقب على الاستقرار الإقليمي.


 لحظة الحقيقة


مع اكتمال لوحة الرفض الداخلي، أصبحت الحكومة الانتقالية على المحك. القرار الدولي القادم سيعتمد ليس فقط على مواقف المكونات السورية، بل وعلى حسابات مصلحية معقدة توازن بين مخاطر الاستقرار ومخاطر فقدان الشرعية. السيناريو المصري يبقى احتمالاً واردا