نبض سوريا - خاص
بعد عام على الحدث الذي وُصف بأنه تحرير سوريا وسقوط النظام، يجد السوريون أنفسهم أمام مفارقة تاريخية:
الحدث الذي قُدّم على أنه نهاية أربعة عشر عاماً من القتل والدمار، لم يتحوّل إلى بداية لمرحلة حرية كما وُعدوا، بل بدا وكأنه انتقال من استبداد واضح إلى استبداد مُموَّه.
فمنذ 8 ديسمبر اليوم الذي رُوّج له بوصفه نقطة التحوّل الكبرى لم تتوقف آلة الموت، ولم يختفِ القمع، ولم تُفتح أبواب السياسة والمدنية كما افترض الناس.
بل على العكس: ما حدث كشف أن سقوط النظام لا يعني بالضرورة سقوط بنيته… وأن "التحرير" قد يتحول إلى تدوير للسلطة لا أكثر.
مرّ عام على سقوط النظام السوري القديم وصعود سلطة أحمد الشرع إلى الحكم، لكن ما تبدّل في شكل الدولة لم ينعكس على حياة السوريين ولا على مستوى العدالة أو الحريات. ما حدث كان مجرد استبدال وجوه بوجوه، بينما بقيت منظومة القمع ذاتها، بل ربما ازدادت شراسة مع انهيار مؤسسات الدولة وغياب أي رادع سياسي أو قانوني.
السجون… من “يوم التحرير” إلى عودة بوابات الظلام
في اليوم الذي سقط فيه النظام السابق، تصدّرت مشاهد فتح السجون عناوين الأخبار: سجناء رأي خرجوا إلى النور، وآخرون من أصحاب السجلّات الجنائية استعادوا حريتهم لكن في المقابل أعاد الشرع إحكام القبضة على السجون، واعتقل آلافًا من السوريين بتهم لا تشبه دولة جديدة ولا عهدًا يدّعي الإصلاح: "جندي سابق في الجيش"، "علوي"، "متعاطف مع النظام السابق" فيما بقي المجرم يسرح ويمرح ويرتكب المزيد من الجرائم وكأن السلطة الحديثة تبني شرعيتها على ثأر طائفي وسياسي، لا على دولة قانون وهكذا عاد الظلم، لكن بنبرة أشد، وبأساليب أكثر تنظيماً من أي وقت مضى.
مجازر بنسخة محسّنة
لم تُطوَ صفحة الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق. على العكس، توسّعت السلطة الجديدة في ممارساتها، لترتكب مجازر وعمليات قتل خارج القانون في مناطق عدة على أساس طائفي بحجة “حماية الثورة” أو “القضاء على فلول النظام” وحماية الدولة والنتيجة واحدة: مواطنون يسقطون بلا محاسبة، وسلطة تكتب تاريخها بالدم.
الفساد… البذرة التي لم تمت
كان السوريون يأملون بانتهاء عهد الفساد الذي أنهك الدولة لسنوات، لكن منظومة الشرع أفرزت وجوهًا جديدة، سرعان ما ورثت نفس الامتيازات ونفس أساليب النهب، بل توسّعت لتطال المساعدات الإنسانية وموارد البلديات المحلية، الفساد لم يعد مجرد عبء؛ صار أحد أعمدة السلطة الجديدة.
فصل تعسفي… وسيف على رقاب العائلات
في مؤسسات الدولة، بات الفصل التعسفي سياسة ثابتة مئات الموظفين وأغلبهم من الطائفة العلوية وجدوا أنفسهم دون وظائف ودون مصدر رزق، فقط لأنّهم علويون أو بحجة إعادة هيكلة المرافق العامة بما يناسب نفوذ السلطة، وهكذا تحوّلت الدولة إلى مؤسسة للولاء، لا للعمل.
جنوب بلا سيادة… وإسرائيل اللاعب الأقوى
ربما كان المشهد الأكثر خطورة هو تحوّل الجنوب السوري إلى ساحة مفتوحة لإسرائيل، قصف واعتقالات واغتيالات، تتحرك تل أبيب فيها بلا رادع.
السلطة الجديدة، التي وعدت بإعادة السيادة، بدت عاجزة أمام اختراقات عسكرية وأمنية متواصلة، بل غائبة تمامًا عن المشهد.
الاقتصاد… عبء يزداد والناس تُنهك
تدهور مستوى المعيشة، وارتفعت الأسعار، وتراجعت القدرة الشرائية إلى حدود غير مسبوقة. الوعود الاستثمارية التي روّج لها الشرع لم تُترجم على الأرض، وبقيت البلاد رهينة اقتصاد منهك، وبنى تحتية مدمرة، وطبقة سياسية لا تملك رؤية سوى البقاء في السلطة.
مع اتمام سوريا العام على سقوط النظام وتسلم السلطة الانتقالية فإن أحمد الشرع لم يأتِ بدولة جديدة؛ جاء بنسخة أكثر هشاشة من النظام السابق.
سلطة لا تمتلك مشروعًا، ولا تسعى لعدالة انتقالية، ولا ترسي قواعد لإصلاح سياسي أو اقتصادي.
في عام واحد، خسر السوريون ما تبقى لهم من ثقة بأن التغيير قد يحمل يومًا فرصة للعدالة.
سوريا اليوم ليست أقرب إلى الحرية ولا أكثر أمانا إنها دولة مُنهكة، محكومة بمنظومة انتهاكات متجددة، وبرأس سلطة أعاد إنتاج الاستبداد… لكن بثياب جديدة.