نبض سوريا - متابعة
انتقدت المجلة الأمريكية المتخصّصة في الشؤون الدولية "فورين أفيرز" الطموحات الجيوسياسيّة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الهادفة إلى إعادة تصوير بلاده كقوّة إقليميّة رائدة في الشرق الأوسط، معتمدةً على سرديّة تاريخية عثمانية ورؤية توسّعية تتجاوز حدود الدولة القوميّة الحديثة.
وأكّد التقرير الصادر عن المجلة المُستقلّة أن هذه الطموحات "لا تتناسب مع القدرات الفعليّة لتركيا"، سواء على الصعيد الاقتصادي أو المؤسسي أو السياسي، وذلك رغم التمدّد الملحوظ للحضور العسكري والدبلوماسي التركي في عدة ساحات إقليميّة.
وأوضح التقرير أن أردوغان سعى لتوظيف تقاربه مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من أجل اكتساب شرعيّة دوليّة لمشروعه، مستفيدًا من الدور التركي في ملفات مثل غزة وسوريا وأوكرانيا، وكذلك من إعجاب ترامب بنموذجه السلطوي البراغماتي. غير أن هذا التقارب –بحسب التقرير– بقي محدود الأثر، وغير قادر على تعويض هشاشة السياسة الخارجية الأمريكية أو خلق قبول إقليمي واسع لدور تركي مهيمن.
ولفت التقرير إلى أن سوريا شكّلت ساحة الاختبار الأبرز لهذه الطموحات، حيث دعمت أنقرة إسقاط نظام الأسد وانخرطت بعمق في دعم المعارضة، ساعيةً إلى توظيف هذا التحوّل لإعادة إطلاق عملية السلام مع الأكراد. لكنه استدرك مؤكّدًا أن نجاح هذا المسار يبقى رهنًا بتفاهمات معقدة مع الأكراد، وقدرة تركيا على فرض الاستقرار في بيئة هشّة ومحفوفة بالمخاطر.
كما سلّط التقرير الضوء على المعوّقات البنيوية التي تحُدّ من المشروع التركي، مُبرزًا الأزمة الاقتصادية الخانقة، وارتفاع التضخم، وضعف ثقة المستثمرين، وعجز الدولة عن تمويل مشاريع إعادة إعمار كبرى، ما يُتيح المجال لتصاعد نفوذ دول الخليج على حساب أنقرة.
وأشار إلى تآكل مؤسسات الدولة بسبب المركزية المفرطة، وتحويل عمليّة صنع القرار إلى دائرة ضيّقة حول الرئيس، مما يُضعف الجدوى التنفيذية طويلة الأمد لأي استراتيجية إقليمية.
وعلى الصعيد السياسي الداخلي، بيّن التقرير أن تراجع شعبية أردوغان، وخسارة حزبه الانتخابات البلدية، وتصاعد وتيرة القمع ضد المعارضة، عوامل تُقلّص هامش المناورة الخارجية لتركيا، خاصةً وأن القيادة الإقليمية تتطلّب استقرارًا داخليا لا تتمتّع به أنقرة حاليا.
وخصّص التقرير محورا للتنافس التركي–الإسرائيلي، واصفاً إيّاه بالتحدي الخارجي الأخطر أمام رؤية أردوغان، لا سيّما في سوريا، حيث يزيد هذا التنافس من احتمالات الاحتكاك العسكري ويستنزف الموارد التركية، ويضع سقفا عمليا لأي مشروع "سلام تركي" في المنطقة.
واستنتج التقرير أن دعم ترامب، رغم قيمته الرمزية والإعلامية، لا يُغيّر الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية الصعبة، ولا يُوفّر ضمانات طويلة الأمد لتركيا في ظل النفوذ الإسرائيلي المتنامي وحذر دول الخليج وهشاشة الاقتصاد التركي.
وأكدت "فورين أفيرز" في خاتمة تقريرها أن الفجوة بين الطموح الإمبراطوري لأردوغان والقدرة الفعلية للدولة التركية في اتّساع مُستمر، مما يجعل مشروعه الإقليمي أقرب إلى "وهم سياسي" منه إلى استراتيجية قابلة للتحقّق.
وخلصت إلى أن تركيا، رغم بقائها لاعبا مؤثرا في الشرق الأوسط خاصةً في سوريا، إلا أنها غير قادرة على استعادة موقع القوّة المهيمنة الوحيدة في إقليم يتّسم بتعدّد الأقطاب وتصادم الأحلام العثمانية مع واقع داخلي مأزوم.