التاريخ يعيد نفسه... ولكن من كتب السيناريو؟

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -  مقال


منذ فجر التاريخ، نسجت الولايات المتحدة وسوريا 

‎خيوط علاقة معقدة، تخللتها فصول من التعاون والتوتر، لتشكل لوحة سياسية متشابكة تعكس تباين المصالح والأيديولوجيات.


‎تعود جذور العلاقات بين البلدين إلى عام 1835، حينما عيّنت الولايات المتحدة قناصل لها في حلب، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. ومع إعلان استقلال سوريا في عام 1941، اعترفت واشنطن بالدولة الفتية، مُرسلةً جورج وادزورث كأول ممثل دبلوماسي لها في دمشق.


‎بعد الحرب العالمية الثانية، دعمت الولايات المتحدة استقلال سوريا، إلا أن فترة الخمسينيات شهدت تحولًا دراماتيكيًا. ففي عام 1949، دعمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية انقلاب حسني الزعيم ضد الرئيس شكري القوتلي، مما ألقى بظلال الشك على نوايا واشنطن في المنطقة.


‎مع اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967، واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان، ازدادت العلاقات تعقيدًا. دعمت الولايات المتحدة إسرائيل، بينما تعمقت علاقات سوريا مع الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن.


‎في التسعينيات، شهدت العلاقات بعض التحسن. فقد شاركت سوريا في التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991، واستضافت الرئيس حافظ الأسد نظيره الأمريكي بيل كلينتون في دمشق عام 1994، في محاولة لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط.


‎مع بداية القرن الحادي والعشرين، وخصوصًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تباينت العلاقات بين البلدين. ففي حين قدمت سوريا معلومات استخباراتية للولايات المتحدة، إلا أن غزو العراق عام 2003 واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 أديا إلى تدهور العلاقات وفرض عقوبات أمريكية على دمشق.


‎مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذت الولايات المتحدة موقفًا معاديًا لنظام بشار الأسد، داعمةً المعارضة السورية. فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام، متهمةً إياه بارتكاب جرائم حرب واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.


‎في ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولًا جذريًا بإطاحة نظام الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة البلاد بشكل مؤقت. أعرب الشرع عن رغبته في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، مؤكدًا على ضرورة رفع العقوبات وإعادة بناء جسور الثقة بين البلدين. 


‎تُظهر هذه العلاقة المتقلبة بين سوريا والولايات المتحدة تداخل المصالح الإقليمية والدولية. فمن دعم الاستقلال إلى التدخلات السياسية، ومن التعاون في قضايا إقليمية إلى فرض العقوبات، يتجلى تعقيد المشهد السياسي بين البلدين. ومع التحولات الأخيرة في القيادة السورية، تبرز فرصة جديدة لإعادة صياغة هذه العلاقة على أسس من التعاون والاحترام المتبادل، بعيدًا عن التدخلات الخارجية والمصالح الضيقة.


‎إن فهم هذا التاريخ المتشابك يساعد في استشراف مستقبل العلاقات السورية الأمريكية، ويدعو إلى تبني سياسات تعزز الاستقرار والسلام في المنطقة، مع احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها.