حين تصمت الدولة وتتكلّم الجريمة: النساء في سوريا بين الخطف والتقاعس

  • A+
  • A-

 نبض سوريا - عمر حمد  

 


في سوريا اليوم، لم يعد الخطر على النساء مقتصرًا على ويلات الحرب أو الفقر أو النزوح. هناك خطر آخر أشد دهاءً، وأشد وجعًا: الخطف الممنهج، والتستر عليه، والتقاعس المتعمد من قبل سلطات يفترض أنها وُجدت لحماية الناس، لا لإسكاتهم.


في بلدٍ يتخبّط منذ سنوات في أزماته السياسية والأمنية، لم تكن قضايا النساء يومًا في سلّم الأولويات. لكن الجديد اليوم أن النساء يُختطفن في وضح النهار، وتُطلب فدية من أهلهن، وتُهمل الأدلة، ويُلام الضحايا، وتُرهب العائلات بالصمت.


 الدولة الغائبة... والعدالة المسروقة


في ثماني حالات موثقة، تقدّمت عائلات الضحايا ببلاغات إلى الجهات الأمنية، وبدل أن تفتح هذه البلاغات أبواب التحقيق والمساءلة، فتحت أبوابًا من الإذلال والتجاهل. في حالة واحدة فقط أُعطيت الأسرة بعض المعلومات، أما في الحالات الأخرى، فقد صادف الأهالي جدرانًا من الصمت أو التهكّم أو اللوم.


ما يزيد من قسوة المشهد أن بعض العائلات قدّمت للشرطة معلومات حاسمة: أرقام هواتف، رسائل فدية، وحتى أسماء مرسلي الأموال. ومع ذلك، لم تتحرك الجهات الأمنية. هل هو عجز؟ هل هو تواطؤ؟ أم هو استهتار بحياة النساء في مجتمع لا يزال يُمارس أشكالًا من العنف الرمزي كلما خرجت امرأة إلى الشارع؟


عندما تصبح الضحية متّهمة


في بعض الحالات، وبدل أن تتعامل السلطات مع العائلة كضحية ثانية، واجهتها بالاتهامات: لماذا سمحتم لها بالخروج؟، أين كانت؟، أنتم السبب. إنها العقلية القديمة التي ترى في النساء كائنات يجب حبسها داخل الجدران، لا مواطنات لهن حق الأمان في الأماكن العامة.


هذه ليست مجرد ردود بيروقراطية، بل هي تعبير عن بنية ثقافية رسمية ترى أن المرأة مسؤولة عن إيذاء نفسها، وترى أن حماية النساء ترف لا ضرورة له في زمن الانهيارات.


 الصمت المفروض بالسلاح والقانون


حتى بعد عودة بعض المختطفات، لم يهدأ الألم. فالصمت هنا لا يعبّر عن تعافٍ، بل عن خوف. العائلات خُوّفت من الحديث. الضحايا أُجبرن على إنكار ما جرى. التهديدات جاءت أحيانًا من الجناة، وأحيانًا من جهات يُفترض أنها تُمثل القانون.


إننا هنا أمام انهيار خطير في أحد أركان العدالة: المساءلة. حين يُفلت الخاطفون من العقاب، وحين تصمت الدولة، يُصبح الخوف هو القانون الوحيد الساري.


 النساء لسن هامشًا


تقول أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية:

"من حق جميع النساء في سوريا أن ينعمن بحياة لا يشوبها أي خوف من الإيذاء، والتمييز، والاضطهاد... التقاعس عن التحقيق والمحاسبة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان."


هذه ليست مجرد كلمات إنسانية، بل قاعدة قانونية في القانون الدولي، الذي يُلزم الدول بمنع التعذيب، وضمان الأمان الشخصي، والتحقيق الجاد في الانتهاكات. لكن أين القانون في دولة تتعامل مع أجساد النساء كحقل مباح، وحقوقهن كترف لا تستحقه مرحلة الخراب؟


لا أمان بلا مساءلة


لا يمكن الحديث عن إعادة بناء سوريا، أو أي انتقال سياسي، دون مواجهة هذه الحقيقة المرة: هناك نساء اختُطفن، وعائلات كُسرت، وسلطات اختارت أن تغلق الملف.


العدالة لا تبدأ من محاكمة المجرمين الكبار فقط، بل من التحقيق في الجرائم اليومية التي تُرتكب بصمت. إنها تبدأ من الاعتراف بأن أجساد النساء ليست أرضًا مباحة، وأن حماية النساء ليست خيارًا، بل واجب دولة.


وحتى ذلك الحين، سيبقى السؤال معلّقًا فوق رؤوسنا جميعًا:

من يحمي النساء حين تغيب الدولة؟