نبض سوريا - مقال
خلال اليومين الماضيين، أطلقت ألمانيا وفرنسا بياناتٍ متشابهة تُعلن عن اتصالات غير مسبوقة مع "الرئيس السوري المؤقت" أحمد الشرع، الذي ما زال مصنفاً على لوائح الإرهاب العالمية، بدعوةٍ من ماكرون لزيارة باريس، ومكالمة هاتفية طويلة بين شولتز والشرع. تزامن ذلك مع تركيز البيانات الأوروبية على ملفاتٍ تبدو إنسانيةً كـ"إطلاق عملية سياسية شاملة" و"مكافحة الإرهاب" و"دعم إعادة الإعمار"، لكن الوقائع تكشف أن الخطاب الأوروبي المُلطف يحمل في طياته أجنداتٍ جيوسياسية معقدة. فوسائل الإعلام الغربية تروج لسردية "التقارب مع دمشق" و"نجاح التفاوض"، بينما الواقع يقول إن أوروبا لا تتفاوض مع دولةٍ ذات سيادة، بل مع جماعةٍ مصنفة إرهابياً، وهو ما يطرح تساؤلاتٍ عن ماهية هذه الخطوة: هل هي اعترافٌ ضمني بالهيئة كسلطة شرعية؟ أم محاولة لاستغلال الفراغ السياسي والأمني في سوريا لتحقيق مكاسب استراتيجية؟ المشهد الأوروبي يُظهر أن سوريا اليوم – تحت سيطرة هيئة تحرير الشام – صارت وليمةً يُقسّمها اللاعبون الدوليون: برلين تسعى لترحيل جزء من مليون لاجئ سوري على أراضيها، وباريس وواشنطن تحاولان كسر النفوذ الروسي والتركي عبر دعم الكيانات المناهضة لهما، بينما تُعلّق العقوبات الاقتصادية كفخٍّ يُدار بالقطارة لابتزاز الهيئة. الخطورة هنا ليست في النوايا الأوروبية فحسب، بل في انعدام أوراق القوة لدى حكومة الهيئة، التي تفتقر للشرعية الدولية، وتتعامل مع أطرافٍ دوليةٍ تاريخها ملطخ بالاحتلال ونهب الثروات. فهل يُدرك الشرع أن وعود ماكرون وشولتز قد تكون فخاً لتحويل سوريا إلى ساحة صراع جديدة؟ أم أن الهيئة – ذات الإيديولوجيا المتطرفة – ستسقط في فخ التطبيع مع من صنعوا عقوباتٍ دمّرت الشعب السوري؟ الأسئلة تُلخص المفارقة: أوروبا تتحدث عن "الحل السياسي" بينما تُغذي الفوضى، وتدّعي الاهتمام بالإعمار . في النهاية، اللعبة ليست جديدة: قوى الاستعمار القديم تعيد إنتاج أدواتها تحت شعارات براقة، والضحية مرة أخرى هي سوريا وشعبها.