نبض سوريا - متابعة
بات خطر المخدرات في العراق يتجاوز كونه أزمة صحية أو أمنية محلية، ليصبح ملفاً معقداً تتداخل فيه مصالح اقتصادية إقليمية وعابرة للحدود. مع تصاعد وتيرة ضبط الشحنات المخدرة وعمليات الاعتقال، تبرز معركة ضارية بين الدولة وهيئاتها الأمنية من جهة، وشبكات مافيوية متجذرة تعمل بغطاء إقليمي من جهة أخرى.
أعلنت السلطات العراقية مؤخراً عن تفكيك شبكتين لتجارة المخدرات في محافظتي ديالى والنجف، فيما تم القبض على عشرة أشخاص بينهم خمسة أجانب بحوزتهم مواد مخدرة في أربعة مراكز حدودية. وكشف جهاز الأمن الوطني عن تنفيذ كمين أمني في بغداد أدى إلى إلقاء القبض على أحد أبرز تجار المخدرات في ديالى، حيث ضُبط بحوزته كمية من مادة الكريستال المخدرة، كما ألقي القبض على متهمين في النجف بحوزتهما أكثر من كيلوغرام من المادة ذاتها.
من جانب آخر، أشارت وزارة الداخلية إلى ضبط مسافرين يحملون أنواعاً مختلفة من المخدرات في مراكز جمركية، مؤكدةً إحالة جميع الموقوفين إلى الجهات القضائية. وجاءت هذه العمليات بعد تلقي معلومات وصفتها الوزارة بـ"المهمة جداً" من السلطات السعودية، مكَّنتها من ضبط شحنة ضخمة من حبوب الكبتاغون المخدرة قادمة من سوريا عبر تركيا إلى العراق.
مخاوف من مسارات تهريب جديدة
أثار ضبط الشحنة السورية مخاوفاً من نجاح تجار المخدرات في فتح مسارات جديدة لتهريب الكبتاغون إلى العراق، خاصةً بعد التغيرات الأمنية في المنطقة. وفي ظل تكثيف العمليات الأمنية، تتعالى تساؤلات حول قدرة الدولة على مواجهة الشبكات المدعومة إقليمياً، والتي تستغل الفوضى لإعادة ترسيم خارطة الإجرام.
بدوره، أكد عضو لجنة مكافحة المخدرات في البرلمان العراقي، أمير المعموري، أن التحقيقات الأخيرة كشفت تعقيدات هذه الشبكات، مشيراً إلى أن الظاهرة لم تعد تقتصر على الأفراد، بل تشمل تعاوناً بين فئات مختلفة، من بينها منتسبون أمنيون وأشخاص من عائلات ثرية. وأضاف أن العراق تحوّل من مجرد ممر لتهريب المخدرات إلى سوق استهلاكية رئيسية، ما يؤكد تحوّل القضية إلى مستوى إقليمي ودولي.
تعاون إقليمي وثغرات حدودية
كشفت وزارة الداخلية عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات في مختلف المحافظات خلال العام الجاري، إلى جانب اعتقال آلاف الأشخاص بتهم مرتبطة بالترويج والاتجار. من ناحيته، حذّر رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، من استمرار عصابات الجريمة المنظمة في اختراق الحدود بطرق بديلة، معتبراً أن ضبط شحنة الكبتاغون السورية يؤكد استهداف العراق ليكون محطة رئيسية في هذه التجارة.
وشدد الغراوي على أهمية التعاون الإقليمي لمواجهة الظاهرة، خاصةً بعد المعلومات التي قدمتها السعودية، لكنه تساءل عن قدرة العراق على تأمين حدوده الطويلة والمعقدة، لاسيما مع استمرار التحديات الأمنية.
يُذكر أن العراق تحوّل بعد عام 2003 من نقطة عبور للمخدرات إلى سوق استهلاكية واسعة، نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية وتراجع الرقابة الأمنية، ما جعله عرضة لتحولات جذرية في أنماط الجريمة المنظمة.