في ظل التهديدات الأمنية
الصلاة خلف أسوار القصر: تحولات السياسة والمقدس

  • A+
  • A-

 نبض سوريا -خاص

في مشهدٍ لافت، أدى أحمد الشرع صلاة عيد الفطر في مصلى قصر الشعب، محوِّلاً الفضاء السياسي إلى منصةٍ رمزية للعبادة، في خطوةٍ تحمل طبقاتٍ متعددة من الدلالات. فاختيار القصر – كرمزٍ للسلطة – مكاناً للصلاة ليس مجرد ردٍّ على التهديدات الأمنية المعلنة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي دفعت دولها لتحذير رعاياها من التواجد في سوريا، بل هو أيضاً رسالةٌ مضمرة عن "السيطرة" و"الحصانة" في مواجهة خطاب الخوف الخارجي.  


من جهةٍ أخرى، يُلقي الحدث الضوء على التفاعلات الإقليمية الخفية؛ فطلب تركيا من الشرع تأمين نفسه في دمشق بسبب تهديداتٍ مسربةٍ، يكشف هشاشة التحالفات المعلنة، وتحوُّل سوريا إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الجيوسياسية، حيث تُستخدم التهديدات الأمنية كورقة ضغطٍ لتمرير أجنداتٍ متبادلة.  


أما التحوُّل الأكثر إثارةً للجدل، فهو تسييس المقدس عبر تحويل القصور والمقرات الحكومية إلى أماكنٍ للصلاة، في محاولةٍ لخلق شرعيةٍ دينية تلتفُّ حول السلطة، وتعزز صورتها كحاميةٍ للهوية الدينية في مواجهة "الخطر الخارجي". 


هذا الانزياح يطرح أسئلةً عن حدود توظيف الدين لترسيخ الهيبة السياسية، وكيفية تحويل الطقوس إلى أدواتٍ لصناعة الولاء.  


لا يمكن إغفال الإشارة إلى الصلوات الجماعية في الساحات العامة، كساحة الجندي المجهول، والتي تُقرأ كاستجابةٍ أمنية لتهديدات استهداف الجوامع، لكنها أيضاً تعكس تحولاً ثقافياً عميقاً: فتحويل الساحات العلمانية إلى فضاءاتٍ للعبادة يُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويُظهر كيف تُعاد هندسة المشهد العام ليعكس أولوياتٍ أمنية وسياسية، حتى لو كان الثمن هو طمس الحدود بين المقدس والمدنس.  


هكذا، تتحول صلاة العيد من مجرد طقسٍ ديني إلى نصٍّ مفتوح على تأويلات الأمن والسياسة، حيث تُختزل التهديدات في جغرافيات الصلاة، وتُصنع القداسة في قلب القصور، كي تظل السلطة حاضرةً في كل تفصيلٍ من تفاصيل الحياة، حتى في لحظات التواصل مع السماء.