نبض سوريا - متابعة
قال حسن الدسوقي، وهو مختص بالهندسة الكهربائية، إن المغناطيسات المصنوعة من المعادن الأرضية النادرة ليست مجرد مكونات بسيطة، بل هي عناصر أساسية في تطوير الكثير من الأجهزة الحديثة، وهي تُعرف باسم المغناطيسات عالية الأداء، وأشهرها نوعان: الأول هو مغناطيس النيوديميوم، الذي يُعد أقوى نوع من المغناطيسات التجارية المتوفرة حالياً، ويُستخدم في المحركات الكهربائية في السيارات، وفي مكبرات الصوت، والروبوتات، والطائرات بدون طيار.
أما النوع الثاني، فهو مغناطيس الساماريوم كوبالت، القادر على تحمّل درجات حرارة مرتفعة جداً ومقاوم للتآكل، ويُستخدم في المحركات النفاثة، أنظمة التوجيه الصاروخية وبعض أنظمة الفضاء والدفاع.
ويشرح الدسوقي أن المغناطيسات المصنوعة من المعادن الأرضية النادرة تُدمج داخل الأجهزة بشكل دقيق ومدروس حسب وظيفة كل جهاز. فعلى سبيل المثال، في السيارات الكهربائية، يتم وضع المغناطيس في قلب المحرك الكهربائي، حيث يساعد على توليد المجال المغناطيسي، الذي يُحرّك الدوّار ويحوّل الطاقة الكهربائية إلى حركة ميكانيكية
أما في الطائرات بدون طيار والروبوتات، فتوضع هذه المغناطيسات في المحركات الصغيرة التي تحتاج إلى استجابة سريعة وقوة عالية في آنٍ واحد، ما يجعلها مثالية للطيران الدقيق أو لحركات الروبوت الذكية. لافتاً إلى أن غالبية الشركات المصنّعة لمحركات الطائرات النفاثة وأنظمة التوجيه الصاروخية، تستخدم المغناطيسات المصنوعة من المعادن النادرة لتثبيتها في أماكن تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة جداً، وهي ظروف لا تتحملها المغناطيسات التقليدية المصنوعة من الحديد.
من جهتها، تقول المحللة الاقتصادية رنى سعرتي، في تصريحات صحفية، إن ما نشهده اليوم هو استخدام الصين لما يمكن تسميته بـ"السلاح الجيواقتصادي الثقيل"، عبر تعطيل صادرات المعادن الأرضية النادرة، والمغناطيسات التي تُعتبر بمثابة العمود الفقري لسلاسل الإمداد في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الأميركية. فهذا القرار لا يعكس فقط رداً مباشراً على الرسوم الجمركية بنسبة 145 في المئة التي فرضتها إدارة ترامب على البضائع الصينية، بل يكشف أيضاً عن تحوّل في طبيعة المواجهة بين أكبر اقتصادين في العالم، من حرب تجارية إلى صراع على الموارد الاستراتيجية.
وبحسب سعرتي، فإن الصين تُعد اليوم القوة المهيمنة في مجال صادرات المعادن الأرضية النادرة، ليس فقط بسبب امتلاكها لهذه الموارد، بل لأنها طوّرت منظومة صناعية متكاملة، تشمل عملية استخراج المعادن وتكريرها، وصولاً إلى التصنيع النهائي للمغناطيسات. حيث إن غياب هذه السلسلة في الولايات المتحدة هو ما يجعل قرار بكين بشأن المعادن الأرضية النادرة مؤلماً إلى هذه الدرجة بالنسبة لأميركا.
وأشارت إلى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تتخطى هذه الضربة، ولكن بثمن باهظ ووقت طويل، حيث إن تطوير بدائل محلية لاستخراج وتكرير المعادن، كما يجري في منجم "ماونتن باس"، يحتاج إلى استثمارات ضخمة وبيئة تنظيمية محفّزة.
ولفتت سعرتي إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن توسّع شراكاتها مع دول حليفة تمتلك احتياطيات من هذه المعادن، مثل أستراليا وكندا واليابان، أو أن تستثمر في تقنيات إعادة التدوير واستخدام المواد البديلة، وهو ما بدأ بالفعل في بعض المختبرات الأميركية.
وكشفت أن الملياردير إيلون ماسك، الذي يُعد حالياً أحد أعضاء إدارة ترامب، أشار منذ أيام إلى أن التقدم الصيني في مجال المعادن الأرضية النادرة يعود لقدرة بكين على استخراج وتكرير المعادن بقدرات متفوقة، فقط بسبب وجود هذه المعادن على أراضيها، وهي نقطة الضعف التي تعاني منها أميركا. حيث إن المعادن يمكن إيجادها في عدة أماكن في العالم، ولكن عملية تكريرها هي الأكثر صعوبة.
وأوضحت سعرتي أن العالم بات يعتمد على الصين، ليس فقط كمصدر رئيسي للمعادن الأرضية والمواد الخام، بل أيضاً كمصنع لا يمكن الاستغناء عنه للسلع التي يمكن إنتاجها من خلال هذه المواد. وهذا الأمر يعود إلى الرؤية الصينية طويلة الأمد التي بدأت منذ التسعينيات، عبر تطوير وتمويل البنية التحتية بهدف تعزيز التصنيع الداخلي.
وشددت على أن القرار الصيني بحجب المعادن الأرضية النادرة يُبرز كيف أن الصراع التجاري لم يعد يدور فقط حول فائض الميزان التجاري أو الرسوم الجمركية، بل بات يتعلق بالمواد والمعادن الخام، وهو تذكير مهم جداً لواشنطن بأن الحرب الاقتصادية قد تتحول إلى صراع على الموارد الأساسية التي تقوم عليها الصناعات المستقبلية