نبض سوريا - متابعة
أكّدَ مراقبون أن عيد "الرابع" الذي يحتفل به العلويون في السابع عشر من نيسان/أبريل، تحوّل هذا العام إلى مناسبة حُفرت فيها مآسي الحرب السورية، بعد أن كان رمزاً للفرح والربيع وتجدد الحياة. وقالوا إن الاحتفالات التي كانت تزينها حلقات الدبكة والرقص الشعبي، باتت اليوم تقتصر على زيارة القبور وإشعال الشموع حداداً على الضحايا، في ظل غياب المظاهر الشعبية التي طالما ميزت هذه المناسبة.
وأوضحَ الباحثون أن عيد "الرابع" الذي يتزامن مع ذكرى جلاء الفرنسيين عن سوريا، يحمل جذوراً تاريخية ضاربة في القدم، مرتبطة بتراث نوروز الفارسي وأساطير الخصب والتجدد، حيث كان العلويون يمارسون طقوس "الزهورية" بالاغتسال بماء الزهور، محاكاة لقصة النبي موسى. وبينت مصادر تاريخية أن العيد شهدَ اندماجاً اجتماعياً لافتاً في الماضي، إذ شارك مسيحيون وسُنّة في احتفالاته التي كانت تُختتم بالمصاهرة بين العائلات، على غرار عيد "العزّابي" في الفلكلور السوري.
من جهته، أشارَ أكاديمي متخصص في التراث اللامادي إلى أن سياسات النظام السوري منذ الثمانينيات عملت على تجريد العيد من مضمونه الثقافي، وتحويله إلى طقس ديني مغلق، كجزء من مخطط أوسع لطمس الهوية العلوية. وأضاف: "حُوصر العلويون في صورة نمطية كأدوات للسلطة، بينما جرى إفقارهم ثقافياً واقتصادياً ليكونوا وقوداً للحروب".
ولفتَ شهود عايشوا حقبة الستينيات إلى أن احتفالات "الرابع" في مناطق مثل "صنوبر جبلة" و"السخابة" كانت تعجُّ بالألوان الشعبية، حيث تُنشد الأغاني التراثية مثل "العتابا" و"الميجانا"، التي تعكس عمقاً روحياً واجتماعياً. لكنّ تلك الألحان بدأت تختفي تدريجياً، تزامناً مع قرار منع الاحتفال بالعيد أواخر السبعينيات بحجة "التهديدات الأمنية"، وفقاً لرواية رسمية.
وكشفَ نشطاء عن محاولات النظام تشويه الرموز الثقافية للعلويين، حتى على مستوى اللغة، حيث تحولت مفردات مثل "إيليي" و"ياقرد" - ذات الأصول الكنعانية - إلى أداة سخرية طائفية. وقالت الناشطة "مريم حسين": "لم يعد التراث العلوي سوى ظل مشوَّه في أذهان الأجيال الجديدة، بعد أن صادرت السلطة سرديتهم وحوّلت أغانيهم إلى مجرد ضجيج في الأعراس".
في المقابل، شدّد مثقفون على ضرورة استعادة الهوية العلوية كجزء من النسيج الوطني السوري، داعين إلى حوار شامل لإنهاء سياسات التهميش. وأكد الكاتب "علي محمود" أن "العلويين ضحايا نظام سلخهم عن تاريخهم، والعدالة لن تتحقق إلا بوقف الحرب واستعادة التنوع الثقافي كجسر للمصالحة".
بينما تبقى "القوزلّة" - عيد النار الذي يُحييه العلويون في كانون الثاني/يناير - الشعلة الوحيدة المتبقية من تراثهم، رغم محاولات طمسها. تلك الشعلة التي تُذكّر بأسطورة "تموز وعشتار"، وتحمل في لهيبها حكاية شعبٍ يحاول أن يولد من رماده مرة أخرى.